اورو مغرب
في قلب الواحات الوارفة، ومن عمق ترابها الطهور، انطلقت الأغنية صداحة مدوية في سماء الراشدية، فمن على خشبة المركز الثقافي بتاركة، احتضنت المدينة عرساً فنياً بهيجاً، امتزجت فيه أصالة التراث بنبض الحاضر، لتكتب الموسيقى فصولاً من قصيدة الفرح والهوية.
كانت ليلة ساحرة بكل المقاييس، حيث تعاقبت على الركح كوكبة من الفنانين المرموقين، كل منهم يحمل معه عبقاً خاصاً ونكهة مميزة، افتتحت الأمسية فرقة الطائفة العيساوية الفيلالية بأرفود، بنغماتها الروحانية التي تأخذ الألباب في رحلة صوفية عميقة، تبعتها فرقة جنان النبي للفن البلدي، التي أضفت جواً من البهجة والحنين إلى زمن الأغنية الشعبية الأصيلة، ثم انسابت ألحان أوركسترا سعيد أوصغير العذبة، لتلامس شغاف القلوب برقة وإحساس.
ولم يغب عن هذا العرس صوت المطرب المتألق حميد الحمري، الذي ألهب حماس الجمهور بأدائه الراقي وحضوره الآسر، كما أتحفت فرقة النسائم النسائية للمديح الحضور بنفحات روحانية وأصوات ملائكية، قبل أن تأخذنا فرقة سجلماسة لفن الملحون في رحلة عبر الزمن، نستمع فيها إلى روائع القصيد المغنى.
وكان مسك الختام مع ضيف الصحراء الأنيق، الفنان مصطفى السيواكي القادم من مدينة الداخلة، الذي أضفى على الأمسية لمسة جنوبية ساحرة، ليؤكد على وحدة المغرب وتنوعه الثقافي والفني.
لقد كان تفاعل الجمهور مع هذه الباقة المتنوعة من الأصوات والألوان الفنية لافتاً ومؤثراً، لم يكن الحضور مجرد متفرجين، بل كانوا شركاء حقيقيين في صناعة الفرح، يصفقون بحرارة ويعانقون الفنانين بنظراتهم المعبرة، ليشكلوا بذلك عنصراً فاعلاً في نجاح هذا الافتتاح الباهر ، حقاً يستحق هذا الجمهور الراقي كل التحية والتقدير على ذوقه الرفيع وروحه العالية.
أما الفرق المشاركة، فقد كانت بمثابة كواكب متلألئة أضاءت سماء الراشدية، كل واحدة منها تحمل حكاية فريدة، وتغني للذاكرة والأجداد، وللأعراس التي كانت وما زالت جزءاً من نسيجنا الاجتماعي، وللحياة التي لا تعرف الموت.
وإذ نشاهد هذا العرس الفني البهيج، لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة للنقابة المهنية المغربية لمبدعي الأغنية، التي اتخذت قراراً حكيماً بجعل الفن في يد أهله، وتشغيل فنانين من المنطقة، ومنحهم الفرصة الذهبية للظهور والإبداع. إن هذه المبادرة تحسب لها بكل فخر واعتزاز.
كما نتوجه بتحية من القلب إلى أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة، وعلى رأسهم النقيب القدير محمد توفيق عمور، الرجل الذي يعرف حق المعرفة من أين تُؤكل القصيدة، وكيف تُروى الساحة بماء الإبداع الأصيل.
وخلاصة القول، حين يلتقي إبداع النقابة بأصالة التراث، ويتفاعل الجمهور بحب وشغف مع الفن الراقي، تتحول الراشدية إلى عاصمة للحلم الجميل، وواحة للفرح يرتوي منها الجميع.
ولنا موعد متجدد مع هذا الجمال الأخاذ، في مدينة الريصاني الأبية، يوم التاسع عشر من شهر أبريل، حيث ستستمر فصول هذه القصيدة الفنية الرائعة.
عذراً التعليقات مغلقة