اورو مغرب :
تنتمي قبائل الشرفاء الرقيبات إلى الشيخ الشهير أحمد الرقيبي«الليث»(1)دفين الحبشي بالساقية الحمراء(2)،والذي يعتبر الجد الأكبر لجميع الرقيبات المنتشرين في صحراء المغرب، وموريتانيا، ومالي، والجزائر، والأردن، وفلسطين، وغيرها من الأقطار العربية والإفريقية(3).
فقد شهد منتصف القرن السابع عشر الميلادي عند الرقيبات نموا ديمغرافيا سريعا، بفضل مرونتها وانفتاحها، وتسابق القبائل إلى الانتساب إليها، وتحالفها الدائم مع القبائل المجاورة لها، وتقدر صوفي كاراتيني Sophie Caratiniعدد أفراد هذه القبيلة في بداية الغزو الفرنسي للصحراء بـ 35000 ألف نسمة، في حين يقدرهم محمد باهي انطلاقا من بعض الكتابات الأجنبية الأخرى بـ 50000 ألف(4). كما عرفت تحولا اقتصاديا كبيرا أعطى فصائل القبيلة جبهة أوسع من أجل التطلع إلى أفق أرحب، فصارت أضخم تجمع قبلي في الصحراء المغربية، حتى أصبحت البلاد الصحراوية تسمى بتراب الرقيبات، ويقدر المجال الحيوي لهذه القبيلة بـ 400 ألف كلم مربع(5).
نسب الشيخ سيد أحمد الركيبي ولد الشيخ سيد أحمد الركيبي عام 999 ه ، الموافق ل1590 م بنواحي واد درعة في منطقــة تعرف بالخراويع ، وتوفي وعمره 75 سنة ، أما نسبه فهو سيد أحمد بن محمد بن يوسف بـن علي ، بن عبد الله بن عبد الكريم ، بن أحمد بن موسى ، بن غانم ، بن كامل ، بن تكميل ، بـن زين العابدين ، بن حيدرة ، بن يعقوب ، بن علي ، بن مزار، بن مضار ، بن عيسى عبد اللـه بن عبد الواحد ، بن عبد الكريم ، بن عبد السلام الملقب “بن مشيش” ، بن أبي بكر بن علـي بن محمد ، بن جزعة ، بن سلام ، بن مزوار، بن حيدرة ، بن محمد بن إدريس الأزهر ، بن إدريس الأكبر ، بن عبد الله الكامل ، بن الحسن المثنى ، بن الحسن السبط ، بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عله وسلم.
زاوية الشيخ سيد أحمد الركيبي تبعد زاوية الشيخ سيدي أحمد الركيبي ” مول الحبشي” عن إقليم السمارة بحوالي 120 كلم مرورا بوادي الساقية الحمراء ، البطينة ، عقلــة أسدام ، وادي النبط ، عريضــة أم بدوز ، القاعة ، قاعة الشبابين ، فدرة التمات ، وبينهما الشب الجنوبي والشب الشمالي ، ثم التمات التي تصب في وادي الحبشي
الجــــــد الأكــــــــــبر لقبيلة الركيبات ونسبه
ســــــــــــــــــــيدي أحمد الركيبي هو جد الركيبات جميعا , لكن هناك ناس يخلطون ما بين سيدي احمد الركيبي الجد الأب ,والابن , وذلك لحملهم نفس الاسم . وهنا أود أن أشير ان معلوماتي قليلة عن الجد الأب , ولا اعرف سوى سيدي احمد الركيبي الحفيد مؤسس قبيلة الركيبات وجدهم الأصلي جد الركيبات يدعى سيدي احمد بن احمد بن احمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن احمد بن موسى بن غانم بن كامل بن تكميل بن زين العابدين بن حيدرة بن يعقوب بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن عبد السلام بن سليمان الملقب “مشيش” بن أبو بكر بن علي بن حرمة بن سلام بن مزوار بن علي الملقب (حيدرة) بن محمد بن إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المتني بن الحسن السبط بن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، وفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. هذه هي سلالة نسب سيدي احمد الركيبي ، التي نحفظها منذ نعومة أظافرنا ، ذلك آن أبائنا يفتخرون بنا عندما يأتي ضيف إلينا ، فنستعرض عليه أسماء أجدادنا بسهولة . وللإشارة فقط فقد سمي الركيبات بهذا الاسم لمتن رقبتهم فهم متشبثين بكلامهم ذلك أنهم إذا قرروا شيئا يستحيل التراجع عنه. وهم اكبر قبيلة موجودة في الصحراء بعضهم يوجد في الجزائر وفي موريتانيا في منطقة تدعى جبل الركيبات. كانت كل القبائل تخشاهم وتحسب لهم ألف حساب لكن مع ذلك تحترمهم لكونهم كانوا يتوسطون بين القبائل المتنازعة ويعملون على الصلح بينهم.
أطــــــــــــــــــــــــــــــلق على سيدي احمد الركيبي عدة ألقاب منها الليث والراكد والأسد وهي كلها ألقاب تدل على مدى شجاعته وقوته. ونحن حفدتـــــــــــــه معروفون باسم بنو الليث. فسيدي احمد الركيبي الجد مات في منطقة زاكورة قادما من محاميد الغزلان , أما سيدي احمد ألأب فقد مات أبوه وهو لازال في بطن أمه, حيث تربى وترعرع عند أخواله, وعند وفاته في منطقة تسمى الرقبة, ويقال أن منها استمدت الرقيبات اسمها, لكن هذا غير صحيح لأن اسم الركيبات جاء لطول رقبته وعناده وعدم خوفهم إلا من خالقهم.
وبالرجوع إلى موضوعنا الذي هو سيدي احمد الركيبي فقد ولد بمنطقة وادي درعة، وعند بلوغه لسن التعليم أدخله والده إلى الكتاب القرآني لحفظ القرآن، حيث حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز عمره الثانية عشر، وبقي مستقرا بوادي درعة إلى أن بلغ فجال الأرض طولا وعرضا لطلب العلم. بعد ذلك دخل في خلوة استمرت أكثر من عشر سنوات، في مغارة لتعبد والزهد والتصوف. وكان الناس يزورونه لأخذ بركته. فقد دخل سيدي احمد الركيبي في خلوة للعبادة. فالخلوة إذن عادة كل آباء وأجداد الركيبات وهذا ما يفسر لنا كون الناس يعتبرونه شرفاء.
خرج سيدي احمد الركيبي خلوته فقدمت له الوفود من كل الجهات جالبة معها الهدايا النفوذ لزيارته والتقرب منه، ومن تم التبرك به فأصبح بذلك يملك ثروة كبيرة، إستقر بوادي درعة لكنه سرعان مغادرها تاركا أمواله وثروته فيها، بسبب الفساد الدي طغى على أهلها فتوجه إلى منطقة تدعى لخنيكات بنواحي السمارة فاشتراها من قبيلة بنو حفيان وهم اهل السلام ,ينحدرون من قبيلة الركيبات وهناك من يدعي ان جدهم من الرحامنا .قدموا من مدينة مراكش وهذا خطأ بعيد تماما عن الصواب.
رغم كثرة مال ونفوذ سيدي احمد الركيبي، فقد كان يفضل أن يعيل نفسه بنفسه, حيث كان يشتغل بيديه في الأرض دون مساعدة احد’متبعا بذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طيرا أو إنسانا أو بهيمة إلا وكان له به صدقة ”
تزوج الشيـــخ سيـــدي أحمــد الركيبي بإمرأة إسمها العايزة بنت الشيخ تنحدر من قبيلة سلام وأنجب منها أربعة أولاد ذكورا وثلاث بنات وهم : قاسم، اعلي، وأعمر، إبراهيم، سلطانة، حواء، حوزة. وهم أبناء سيـــدي أحمــد ألركيبي وأجداد أعراش الركيبات، ذلك أن اعراشهم كثيرة جدا منها : أولاد داوود، أولاد الشيخ، لبيهات… و الركيبات يتفرعون إلى فرعين كبيرين هما الركيبات الشرق الركيبات القاف ، الركيبات الساحل أو الركيبات الكاف ، وهذا الانقسام لا يعني أنهم منقسمون ومتنازعون فهو اختلاف في الاسم وهذا ينطبق على الركيبات فرغم انقسامهم فهم منصهرون ومتحدون خاصة وأن جدهم واحد وهو سيـــدي أحمــد ألركيبي.
* الرقيــبيات الشرق ” القواسم ”
يطلق على ركيبات الشرق ” القواسم ” وسموا بهذا الاسم لاستقرارهم في الشرق وهم حفدة قاسم الابن الأكبر لسيـــدي أحمــد الركيبي ، فالركيبات الشرق كانوا يضعون حرف ” القاف ” على إبلهم لتمييزها عن بقية الإبل ، والجد الأعلى لركيبات الشرق أو” ركيبات القاف ” هو قاسم ولد سيـــدي أحمــد ألركيبي المزداد سنة 1625 م ، والمتوقي سنة 1710 م ، وقد عاش 75 سنة كوالده ، مدفون قرب والده. تزوج قاسم من السيدة فاطنة وهي من قبيلة أيت يعلي ، وهي أم ولده. وهو محمد ولد قاسم، وخلف محمد ثلاث أبناء هم : 1ـ بايبه ، 2- الفقير 3ـ داوود.
* الركيــبيات الساحل
رقيبات الساحل أو ركيبات الكاف سمو بهذا الاسم لاستقرارهم بالمناطق الساحلية بالقرب من البحر فهم أحفاد أبناء سيدي احمدالركيبي الثلاثة: اعلي_ اعمر_ابراهيم.
سبب قدومه للمغرب :
يذكر ان اهل درعة اصابهم قحط عظيم حيث توالت عليهم سنوات عجاف فاقترح احدهم استقدام شريف و اشار عليهم بالذهاب الى مراكش و بالضبط عند عبد الواحد ولد سيدي يوسف بن علي, وان ياتي معهم او يبعث و اياهم احد ابنائه لتتبرك به البلاد و العباد. واخدوا بهذا الراي و قصدوا الشريف بمراكش فلما وصلوه سالهم عن مقصدهم فاجابوه باننا ضيوف الله ولناعندك طلب, فرد عليهم بانه لن يسالهم عن غايتهم الا بعد انصرام ثلاثة ايام و ثلاثة ليال, و بالفعل و بعد قضاء المدة المقررة استفسرهم عن حاجتهم فطلبوا منه ان يرافقهم هو او احد ابنائه لتزور منه البلاد و تتبرك به, فقال لهم امهلوني لحظة و ساعود لكم ثم استشار خلالها مع ابنائه فاختار اصغرهم وهو سيدي احمد فذهب الى وادي درعة, فما ان حل بينهم و طلبوا بركته. باعتبار من آل البيت حتى اكرمهم الله بالمطر و الزرع ز التمر و عم الخير و ألبس الله الارض زينتها, فلما رأوا ما حل بهم من خير بسبب قدومه عليهم عظموه و كرموه فذاع صيته في جميع بلاد وادي درعة و نواحيها آنذاك.
ولما بلغ من العمر 18 سنة تزوج منهم و حملت زوجته فلما بلغت شهرها السادس وافاه الاجل المحتوم, ولما وضعت بعد التمام, كان المولود ذكرا فاستبشروا بذلك فسموه على والده سيدي احمد تفاؤلا ببركته فنشأ و ترعرع بين أخواله معززا مكرما. ولما بلغ من العمر ما شاء من العمر ما شاء الله تزوج من أخواله كام فعل والده فلما حبلت زوجته و ما أن بلغت شهرها السادس حتى وافت زوجها المنية فأنجبت هي الاخرى ذكرا فحمل اسم والده سيدي أحمد و هو الملقب بالرقيبي دفين الحبشي و هي بلدة تبعد الى الشمال الشرقي من مدينة السمارة بحوالي 140 كلم. فمن خلال ما سبق يظهر لنا جليا سر تسمية كل واحد من الثلاثة على الاخر, سيدي أحمد ولد سيدي أحمد ولد سيدي أحمد, حيث أن الابن يحمل اسم أبيه في حالة وفاة هذا الاخير عنه وهو مازال جنينا, وهي عادة كانت و ماتزال سائدة الى اليوم.
وسيدي أحمد الاول القادم من مراكش دفن في فم وادي الخواريع و سيدي احمد الثاني في الركيبية أما سيدي احمد الثالث فقد ازداد بالاخناك بوادي درعة. وقد عرف عند قبائل الصحراء منذ ميلاده بالهيبة و التوقير و الاحترام و كان قد انهمك قبل بلوغه بحفظ القرآن الكريم. و بالفعل فقد حفظه بالروايات السبع, ثم اشتغل بعد ذلك بالعلوم و كثرة العبادة و عرف بين الناس بالرجل الصالح التقي الورع. وقد كانت له كرامات يعرف بها كسائر الاولياء كلهم وقد جاء في الحديث الشريف “ما كانت معجزة لنبي الا جازت أن تكون كرامة لولي” .
كراماته :
من ضمن كراماته رحمه الله انه كان يغيب عن أعين الناس الموجود معهم زمنا طويلا لا يعرفون له سبيلا فيمكث ما شاء الله من أيام في سياحته يتعبد و عندما يعود إليهم يأتي ممتطياظهر أسد. ومنها أيضا انهم كانوا يرون أحيانا زوبعة من الرياح فإدا به وسطهم وعندما يحل بهم يسروا به و يجتمعون حوله فرحا به وإعجابا بكراماته فيروي لهم ما يجول بخواطرهم, لذا كانوا يقولون حينما يقدم عليهم جاءكم الرقيب أي المطلع و هذا هو أصل اشتقاق الاسم حتى أصبح يطلق عليه الرقيبي “أتاكم الرقيبي, أتاكم الرقيبي …” وكان أيضا في عباداته يتخد وردا كأهل الصوفية يقول فيه “الرقيب, الرقيب…” حتى اصبح الناس يدعونه بالرقيبي, سيدي أحمد الرقيبي فصار أبناؤه يعرفون في أجله أ ينتقل الى مسقط رأسه وادي درعة بمكان يدعى ” لخناك” و ترك النخل و العبيد و ذهب سائحا متجولا يعبد الله تعالى و حينما قدم إلى “الشبيكة” حل بمكان بها (مغارة) ومكث حوالي عشرة سنوات يتعبد هناك.
هذا المكان لازال قائما يدعى الخلوة أي مكان التعبد المنعزل والناس تزوره اليوم تبركا به و تعظيما لشأنه, وسكن بالمكان المذكور حيث التقى بقريبه و رفيقه سيدي عامر الهامل أحد أولاده و مكث معه نحو عامين, وبسبب جهاده فقد سيدي عامر ماله و أولاده. و نظرا لقرابته للشيخ سيدي أحمد الركيبي لأنه هو الاخر من الادارسة طلب منه أن يقتسم معه ماله لأنه كان غنيا لكن أبى سيدي عامر فسكن الشيخ سيدي أحمد الركيبي هذه الارض مدة ثماني قرون وهو أول من نزل بهذه الارض المغربية و أنجب أبناءه الثلاثة: علي و قاسم و عمر وله بنت واحدة تدعى سلطانة. و هؤلاء هم من تفرعت عنهم قبائل الركيبات الادارسة.
وصيته لابنائه قبل موته :
حينما اقترب أجله دعا الشيخ أولاده ولما اجتمعوا حوله قال لهم: “أوصيكم يا أبنائي بتقوى الله و التمسك بالسنة المحمدية ثم العهد و الوفاء و الاخلاص و الطاعة لمن ولاه الله أمر الامة المغربية عبر تاريخها المجيد لان طاعة ولي الامر من طاعة الله و رسوله كما قال صلى الله عليه وسلم “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عضاني فقد عصى الله ومن طاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصى الله”, ثم قال لهم مضيفا: “يا ابنائي ما تركت لكم من عدو من المسلمين في مشارق الارض و مغاربها, فكل المسلمين إخوتي و أصحابي, وأنا علي أني ذكركتكم بذلك ولم اترك لكم من عدو سوى النصارى فأحذروهم ثم جاهدوهم وبكل ما أوتيتم من قوة امتتالا لقوله تعالى: ” يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و أغلظ عليهم, مأواهم جهنم وبيس المصير” صدق الله العضيم.
وقد تمسك ابناؤه بالفعل بالوصية و صاروا يجاهدون النصارى ذوذا عن كرامة هذا الوطن و عزته, وفي هذا الإطار خاضوا معارك ضارية ضد المستعمر الفرنسي و الاسباني منذ بداية القرن التاسع عشرة و كبدوه خسائر فادحة في الارواح و العتاد.
كان أحد الذين بصموا على تاريخ الزوايا في الصحراء وتأثر بهم الأتباع من دول افريقية اعتنقت الإسلام، كما كان له مُريدون من الجزائر وموريتانيا أيضا، لكن المثير أن هذا الرجل لم تكن له زاوية، ولم يكن شيخ طريقة ولم يترك أبدا أي وثيقة منسوبة له تتحدث عن ترؤسه للتجمعات “الروحية”!
أبناء الشيخ الرگيبي وأحفاده دخلوا في حرب ضروس ضد الاستعمار، وكان اسمهم العائلي وحده كافيا لكي يتكتل حولهم المحاربون في الصحراء ويحملوا السلاح ضد الجيش الفرنسي بوحداته وقادته الخبراء في شن الحروب. وكان اسم “الليث” مصدر إلهام كبير لهؤلاء الصحراويين الذين أعلنوا وقتها أنهم في حرب ضد فرنسا، دفاعا عن المغرب، وليس ما روجت له الرواية الانفصالية لاحقا، من أن قبيلة الرگيبات واجهت فرنسا حماية لمصالحها الخاصة فقط. لنتابعيونس جنوحي
أما من حيث تركيبتهم القبلية فهم ينقسمون إلى قسمين كبيرين: رقيبات الشرق «الكواسم»، ورقيبات الساحل.
والواقع أن هذا التقسيم سبق الاجتياح الأجنبي للمناطق الصحراوية المغربية ويؤكد هذا المختار السوسي بقوله: «وهذا الانقسام كان قبل الاحتلال الصحراوي حتى أن وسم الحيوان مختلف»(6)، فقد وجد الاحتلال الفرنسي والإسباني للصحراء قبيلة الرقيبات على تقسيماتها المذكورة، إلا أنه زاد في تعميقه فأصبحت قبائل رقيبات الشرق المكونة من: البيهات، وأولاد داود بن القاسم، وأهل سيدي علال، والفقرة، وسلام، والعيايشة، وأولاد عبد الواحد، بالإضافة إلى أولاد موسى، وأولاد داود من رقيبات الساحل تحت إبط فرنسا(7).لكن هذا الانشطار لم يؤثر على وحدة القيم عند الرقيبات والمبادئ التي أوصى بها الشيخ سيدي أحمد الرقيبي، ومنها: «أن لا يزوجوا بناته إلا لعالم، أو حامل القرآن، أو شريف، وأن لا يتزوج واحد منهم إلا بشريفة»؛ حرصا على شهامتهم وكرامتهم(8).
والمجموعتان شكلتا خيل رهان في حمل رسالة الآباء والأجداد، فاستمروا أجيالا متعددة رحالهم على ظهور جمالهم، وسروجهم على صهوات خيلهم لصد معتد، أو للهجوم على مركز فرنسي تسلل أصحابه لأية نقطة من المراكز الجنوبية، بيوتهم عامرة بذكر الله، وقلوبهم لينة للوعظ، ووشائج البيعة الشرعية أمرت حبالها بينهم وبين العرش العلوي المجيد، فمجدهم وأسدل عليهم ألوية الوقار والتقدير، وأنزلهم منزلة الاحترام والتبجيل فأخلصوا لعهده، وتفانوا في تنفيذ توجيهاته، فاستمروا من أصلب رعيته عودا وأقواهم شكيمة وأشدهم حيطة(9). قال عنهم فوزي جودة: «لم يعرف الرقيبات طيلة وجودهم في أراضي الساقية الحمراء ووادي الذهب أي معنى للتفرقة أو العزلة، فعندما يدخل أحد أحياءهم فهو رقيبي، يهبونه أموالهم ويحبونه بما عرف عنهم من الشجاعة والشرف»(10).
ثم أضاف إلى أن أحياءهم كانت على جانب كبير من اليسر، كما شهد بأن تقاليدهم العامة هي التقاليد المغربية بصفة أساسية، كما أثبت انحدارهم من الولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش الإدريسي، وهو أول من هاجر من الأسرة الشريفة إلى الصحراء، يعني الشيخ سيدي أحمد الرقيبي، وأنشأ البناءات التي لا تزال شاهدة على نشأته المدنية، وقد ترك مولاي عبد السلام آثارا عميقة في أبنائه وأحفاده، وتتجلى تلك الآثار بينة واضحة في ما أخذ الرقيبات على أنفسهم من سلوك التضحية والجهاد، ثم أضاف بأن سلاطين المغرب وخاصة منذ العهد الإسماعيلي يعتبرون الرقيبات أحد أركان الاستقرار بمجموعة الصحراء الوسطي(11).
ولرقيبات الشرق ورقيبات الساحل جماعة «آيت الأربعين» المشرفة على تنظيم استعمال المياه والمراعي، وقيادة الحرب، وضبط العلاقات مع القبائل الأخرى طبقا لنظام تحالف جماعي يستهدف تحديد اللجوء إلى العنف، والارتكاز على واجب الدية(12).
أ- رقيبات الشرق:
بخصوص تسميتهم برقيبات الشرق راجع لاستقرارهم في الشرق، ويؤكد هذا الروايات الشفوية التي يحفظها شيوخ الرقيبات أن قاسم الابن الأكبر هو صاحب اقتراح الانقسام الأول، وهو الذي جمع إخوته وأخبرهم أنه سينتقل إلى الشرق، وترك لهم ثروة هائلة من الإبل والماشية، وأخذ جزءا منها وانتقل إلى الشرق، حتى يتمكن الجميع من الاستفادة من أماكن الرعي والسقي، غير أن الارتباط العائلي ظل قائما بقوة وباحترام، وظل قاسم كبير العائلة الذي يرجع له الفضل في مختلف شؤون القبيلة الكبيرة(13).
ويطلق على رقيبات الشرق أيضا القواسم «الكواسم» نسبة إلى جدهم قاسم بن سيدي أحمد الرقيبي، ورقيبات القاف لأنهم كانوا يسمون إبلهم القاف تمييزا لها عن بقية الإبل(14).
أما بالنسبة لجدهم قاسم فهو الابن الأكبر لسيدي أحمد الرقيبي، ولد سنة 1625م(15)، وتوفي سنة 1710م، وقد عاش 75 سنة كوالده، ودفن قربه بوادي الحبشي بالساقية الحمراء(16)، فتزوج من أيت يعلي بامرأة تسمى فاطنة عام 1651م، وولد منها: ابيه، وداود، والفقير امحمد(17). وعن هؤلاء الثلاثة تنتمي بطون قبائل رقيبات الشرق (الكواسم)، وهكذا نجد:
ـ ابيه بن قاسم بن أحمد الركيبي: يعرف بـ«بابيه الشيخ»، تزوج بامرأة من أيت يعلي عام (1195هـ/1683م)، وولد منها: اعلي الأكحل، ويحيى، وهنين، ومرزوك، وموسى. وتوفي بأسرير قرب مدينة كلميم، وقبره هناك يزار(18).
فكل واحد من أولاد ابيه صار علما لفخذة؛ فالأكحل جد أهل الدا اعلي، ويحيى جد أهل سيدي أحمد بن يحيى، وهنين جد أهل داد، ومرزوك جد الأمرزاكي، وموسى جد أهل ابيه وأهل القاضي(19).
ـ الفقير امحمد بن قاسم بن أحمد الركيبي: تزوج من امريبط بامرأة اسمها فطيم، من فخذ منهم يسمى أيت امنيس في رأس القرن الثاني عشر، وولد منها: لحسن، والصديق، وابريك، والراجي، والأمجد، والشين.
وكل واحد من هؤلاء الرجال صار علما على ذريته وينتسبون له، فيقال: أهل أحمد بن لحسن، والصدادقة، والابريكات، والرمى، وأهل الأمجد، والشوينات(20).
ـ داود بن قاسم بن أحمد الرقيبي : تزوج من سلام عام (1204هـ/1692م) بامرأة تسمى أم هاني، وولد منها احماد أو إبراهيم(21).
فولده احماد لم يخلف أولادا، أما إبراهيم فقد تزوج من سلام بامرأة تسمى اعكيدة من فخذ منهم يسمى أولاد أحمد، وولد منها: بلقاسم، ويحيى، ومحمد.
فبلقاسم تزوج من أبناء المولات عام (1282هـ/1768م) بامرأة تسمى بع من فخذ منهم يسمى الخلائف، ومحمد الملقب بأبي الجناح تزوج من أيت لحسن بامرأة علمها اجميلة عام (1287هـ/1773م).
فصار أبناء كل واحد منهم يسمونهم به: يقال: أهل بلقاسم أو ابراهيم، والجنحة، ويحيى علم أهل سيدي علال، و أهل لخريف، وأهل عبد الصمد، والسلالكة، وأهل سيدي عمار، وأهل دح، والاعويشات(22).
ب- رقيبات الساحل: (أنظر الشجرة)
تعد قبائل رقيبات الساحل «أي الغرب» أو رقيبات الكاف أحد الفروع الكبرى المكونة لقبيلة الرقيبات، فهم ينتسبون إلى أبناء سيدي أحمد الرقيبي الثلاثة: اعلي، اعمر، إبراهيم. حيث تتفرع هذه القبائل إلى عدة جذوع تشمل: أولاد موسى، والسواعد، وأولاد داود، والمؤذنون، والتهالات، وأولاد الشيخ، وأولاد الطالب(23)، أصبحت بدورها قبائل يجمعها النسب الواحد، والمصالح المشتركة، والواجب الإسلامي المقدس، والدفاع عن حوزة الوطن(24). وسبب تسميتهم برقيبات الساحل راجع لاستقرارهم بالمناطق الساحلية بالقرب من البحر؛ غرب السمارة إلى الساحل الأطلسي، وعلى امتداده جنوبا إلى رأس نواذيبو بموريتانيا(25)، بعد أن طردهم أبناء القاسم أكبر أبناء سيدي أحمد الرقيبي نحو المنطقة الغربية الساحلية(26)، وبرقيبات الكاف لأنهم يسمون إبلهم بما يشبه الكاف(27).
ونظرا لما شهدته قبيلة الرقيبات من انشطار وتعميق المستعمر له أصبحت قبائل رقيبات الساحل المتكونة من: السواعد، وأولاد الشيخ، والتهالات، وأولاد الطالب بالإضافة إلى البيهات من ركيبات الشرق(28)خاضعة بعد الحماية للاحتلال الإسباني(29).
وكما سبقت الإشارة إليه أن أبناء أحمد الرقيبي علي واعمر وإبراهيم هم الأجداد الذين تتفرع عنهم أفخاذ قبائل رقيبات الساحل:
ـ اعلي : هو الابن الثاني لسيدي أحمد الرقيبي ولد حوالي سنة (1139هـ/1629م)(30)، تزوج من أيت براييم بامرأة تسمى أم العيد عام 1165هـ ، وولد منها أربعة بنين: موسى، وسعيد، وداود، ولمؤذن(31). ودفن قرب والده بالحبشي بالساقية الحمراء(32). وإلى أبنائه الأربعة تنتسب بطون: أولاد موسى، وأولاد داود، والمؤذنون، والسواعد(33).
فموسى هو الابن الأكبر لاعلي، تزوج بامرأتين: واحدة من اكسيم عام (1192هـ/1778م)، والأخرى من يكوت. فالأكسيمية ولد منها بلاو ومحمد، واليكوتية ولد منها القاضي والحسن والحسين. وتزوج بعدها بامرأة قيل إنها من بني أمية، والظاهر أن اسمها مي، وولد منها ابنا اسمه امحمد. وصار اسمها علما على ذريتها، يقال لهم أولاد مِّي. وصار أبناء موسى كل واحد منهم علم على فخذه: فبلاو على أبنائه يقال لهم: أهل بلاو، ومنهم:أهل آفرييط، وأهل اعلي بلاو، وأهل باباحمو، وأهل عبد الله، وأهل إبراهيم، وأهل يحي، وكذلك أولاد القاضي نسبة إلى أبيهم، ومنهم: أهل امحمد القاضي، وأهل حمده، وأهل الداعلي، ومثل ذلك أولاد لحسن، وأولاد الحسين(34).
والمؤذن تزوج من الأخصاص عام (1268هـ /1754م)، وولد احماد، وسيدي مولود، ومحمد(35). وإليه ينتسب عرش المؤذنون، ويحكي صاحب النزر اليسير الشيخ محمد المصطفى بصير أن «سبب تسميته بالمؤذن يرجع إلى أن أمه الغيلانية كانت تسمع صوت توأمين أحدهما يهلل، والثاني يؤذن عندما كانت حبلى، فذكرت ذلك لزوجها علي بن أحمد، فقال لها: الذي يولد منهما أولا يسمى الهلال، والثاني أحمد المؤذن، ولما وضعت توفي الأول وعاش أحمد المؤذن واشتهر بالتأذين حتى بعد وفاته»(36). وذكر المختار السوسي أن أسر هذا الفخذ لا تزال إلى الآن في خيامها في الصحراء، وهي دون المائة. وهي أصغر فخذ بين أفخاذ الرقيبات، ولم يدخل سوس من هذه الفخذ إلا آل البصير، وبهذا البيت تشرف هذا الفخذ، ويسمو على الأفخاذ الأخرى بالدين، والكرم، وبعض قبسات من العلوم(37).
ويعرف هذا الفخذ أيضا بالسريرات نسبة إلى المكان الذي دفن به جدهم أحمد المؤذن، وقيل إنهم «سموا بهذا الاسم لما عرف عنهم من السر الرباني الذي وهبه الله لهم، والفتح النوراني الذي اشتهروا به بين الناس»(38).
ويتكون فخذ المؤذنون من: أهل سيد احمد زيدان، وأهل حمادي، وأهل با محيمد، وأهل داود، وأهل لبصير، والسريرات.
أما داود فقد تزوج عام (1197هـ/1782م) بامرأة من أيت الخمس، وولد منها سيدي امحمد اعمر، فصار سيدي امحمد علما على فخذ أبنائه، يقال لهم: أهل باب عم، وولد اعمر اعلي، فصار أبناؤه أهل سالم، وأهل اتناخ(39).
ومنهم أيضا أهل سيدي محمد، وأهل الصغير، وهم من أشرف فروع الرقيبات، وأنقاها نسبا، وأكثرها مالا، بحيث عرف عنهم امتلاكهم لعدد كبير جدا من الإبل.
وبالنسبة لسعيد فقد تزوج من أيت براييم عام (1195هـ/1780م) علمهما سعاد، وقيل: إن أمها من الجنوب، ولد منها احماد امبارك، وسعيد سمي على اسم أبيه، توفي عنه وهو حمل(40). وإليه ينتسب عرش السواعد، ومنهم: أولاد بوسعيد, وأهل إبراهيم بن عبد الله، وأهل خالي يحي، وأهل بابراهيم، والغرابة.
ـ اعمر: هو ولد سيدي أحمد الركيبي ولد حوالي سنة (1142هـ//1632م)(41)، وتزوج بامرأة من جزولة علمها اميليدة عام 1168هـ، وولد منها الطالب، وإليه ينتسب فخذ أولاد الطالب، ومنهم: أولاد بن الحسين، وأولاد بابراهيم، وأولاد أبا عيسى، وأهل الديدا، وتسرى بأمة وولد منها الشيخ الذي ينتمي إليه عرش أولاد الشيخ، ومنهم: أهل الدليمي، وأهل بابا اعلي، وأهل سيدي علال، والمويسات، والحواريز، والحسينات، وأهل الحاج(42).
ـ إبراهيم: هو الابن الأصغر لسيدي أحمد الركيبي(43)، تزوج من تاكنيت، وولد منها الطالب أحمد، وأتى لإدا وعلي وتزوج بأم هاني بنت مامون وولد منها عبد الرحمان، ورحل لجهة التل، فلما بلغ الشبيكة نزل على اعمر وبلغه أن الأرض ممتلئة من الحراثة. وإليه ينتسب فخذ التهالات المكونة من: أولاد الطالب احمد، وأهل سيدي عبدالرحمان، وأهل سيدي الصالح، وأهل عبد العزيز، وأهل لعبيد، وأهل امحمد احمد، وأهل امحمد بن الصالح، وأهل الدخيل، وأهل الرشيد، وأهل مياره(44).
لقد كان رقيبات الساحل أكثر معاناة لوجودهم الاضطراري بجوار أولاد دليم، وكان عليهم أن يتحملوا تبعات تحولهم التاريخي التدريجي إلى مربي إبل. على أن تحالف تكنة وخاصة أيت الجمل الساحليين بأولاد دليم قد أسهم في الحد من الضغط الدليمي على الرقيبات. وهكذا نرى دور المقدرة التحالفية للرقيبات على التطور الهائل الذي عرفه حجم القطيع الرقيبي خلال هذه الفترة
عسكريون فرنسيون خططوا لتحويل الصحراء سنة 1920 إلى باحة فرنسية
نحن هنا أمام أسماء ثقيلة من نخبة الجيش الفرنسي الذين تقلدوا المناصب الكبرى بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. أغلب هؤلاء الذين سوف نتحدث عنهم في هذا الملف، صنعوا أمجاد الجيش الفرنسي وخبروا أصوات الانفجار وأولى عمليات استعمال الطائرات في قصف المواقع بالإضافة إلى خوض المعارك في ثلوج أوربا الشرقية. لكنهم تعرضوا لمقاومة شرسة عندما تعلق الأمر بمعارك الصحراء.
من أين استمد الصحراويون المغاربة تلك الصلابة اللازمة لمواجهة الاستعمار؟ سوف نأتي إلى تفاصيل هذا الموضوع لاحقا.
أما نخبة العسكريين الفرنسيين الذين اشتغلوا في عمليات الصحراء، فقد كانوا يعرفون جيدا أنهم يواجهون أحفاد قبيلة تعرفوا على طباعهم جيدا من خلال وثائق الأرشيف الفرنسية التي تعود إلى سنة 1880، عندما واجهت قبيلة الرگيبات محاولات إسبانيا إقامة شركات لها في قلب الصحراء المغربية للسيطرة على موارد الصيد البحري.
من بين هؤلاء العسكريين الحاكم العسكري الليوتنان كولونيل “گادن”، وهو الذي كان يعرف المنطقة منذ 1917، وخاض حربا ضروسا ضد قبيلة “الرگيبات” إلى درجة أنه طمح إلى تطويقهم والتحكم حتى في المناطق التي يجوز لهم الرعي فيها والأخرى التي لا يريد لهم فيها ذلك.
لكن النجومية، حسب الأرشيف الفرنسي، كانت من نصيل الكومندان “لوزان” الذي كان خبيرا كبيرا في العمليات العسكرية والإنزال. ووجد نفسه في الصحراء المغربية منذ 1920 مُجبرا على النزول إلى الأرض وتذكير من معه بأنهم أمام تحد كبير.
ورغم التطمينات التي كانت لديه من باريس، بخصوص نوعية البنادق العتيقة التي استعملها مقاتلو الرگيبات، إلا أنه تعرض لهزائم في قلب الصحراء رغم توفر عناصره على أحداث البنادق التي كانت نتيجة التفوق العسكري في الحرب العالمية الأولى.
الكومندان لوزان الذي حصل على رتبته العسكرية بفضل الكفاءة التي أبان عنها في صفوف الجيش الفرنسي، حاول قيادة عمليات سرية في الصحراء المغربية، لكنه تعرض لهزائم متلاحقة تسببت في أضرار كبيرة لمخزن السلاح لديه، إذ رغم الحراسة الكبيرة التي كان يوفرها لمخازن السلاح في مناطق كلميم، وجنوب أكادير، إلا أنه مُني بهزائم كبيرة واضطر إلى الاستعانة بنخبة من العسكريين الآخرين الذين سبق لهم مواجهة القبائل المغربية سنة 1914 في نواحي طاطا وزاكورة.
كان هذا الكومندان من الذين هندسوا أيضا للتفرقة بين قبائل الصحراء الكبرى، وافتعل نزاعا بين قبائل النفوذ الجزائري من خلال التحريض على نفوذ مناطق الرعي الخاصة بتلك القبائل. لكنه فوجئ سنة 1920 دائما، بأن البيعة التي تربط تلك القبائل مع العرش العلوي كانت أقوى من أن يتم اختراقها ببضعة عمليات عسكرية.
هذا المخطط الفرنسي الذي انكشف سريعا، والذي تسجله وثائق الأرشيف الفرنسي، انضاف إلى هزيمة فرنسا سنة 1902 لفرض سيطرتها على الصحراء المغربية، حيث اضطرت إلى السماح للقوات الإسبانية بموجب اتفاق ثنائي بمواصلة مساعيها الاستعمارية في الصحراء، ولم يصدق الفرنسيون أنفسهم عندما استنجدت بهم إسبانيا بعد عشرين سنة لكي يساعدوا على تأمين السواحل في الصحراء لتسهيل عمليات التبادل التجاري وتصدير المواد الأولية من الصحراء إلى الموانئ الفرنسية والإسبانية. وظنوا في البداية أن المهمة سوف تكون سهلة. لكنها لم تكن كذلك.
كان معروفا عن الصحافي المغربي محمد أحمد باهي، حبه الكبير لتاريخ الصحراء. وقد استغل مقامه الطويل في باريس، لكي ينقب في وثائق الأرشيف المتعلقة بالصحراء المغربية، وخرج بخلاصة كبيرة مفادها أن سيرة الشيخ “سيدي أحمد الرگيبي” الذي عاش قبل الاستعمار بقرون، كانت تتحكم في مشاعر أحفاده الذين حملوا السلاح في وجه فرنسا، وقادوا أكبر عملية مقاومة في الصحراء المغربية. والمثير أن هذا الصحافي الذي أخرج سنة 1998 كتاب “الليث سيدي أحمد الرگيبي”، لفت الانتباه إلى أن هناك أدلة في قلب الأرشيف الإسباني تؤكد أن الصحراء كانت دائما مغربية وأن محاولات تقسيمها لم تبدأ إلا مع الاستعمار، وأدلى بوثائق لزيارة المولى الحسن الأول الذي حكم المغرب إلى حدود سنة 1894 قد زار الصحراء المغربية في مناسبتين وحظي باستقبال غير مسبوق من طرف الصحراويين الذين استنجدوا به بصفته سلطانا للمغرب لكي يضع حدا للتوغل الإستعماري في البلاد، وفعلا رفض السلطان وجود شركة إسبانية ورفض الترخيص لإقامة مصرف أوربي في قلب الصحراء.
المولى الحسن الأول كان يعرف جيدا سيرة سيدي أحمد الرگيبي والتقى أحفاده خلال زيارته إلى الصحراء وحيّى فيهم روح الجهاد. لكن المعارك الحقيقية التي خاضها أبناء وأحفاد قبيلة “الركيبات” ضد الاستعمار لم تبدأ في الحقيقة إلا في سنة 1920 حيث أقر الإسبان بهزيمتهم أمامهم واستنجدوا بالجيش الفرنسي الذي تلقى بدوره درسا كبيرا في المقاومة.
يقول الصحفي” شغلتني الكتابة عن الشيخ الولي الصالح سيدي أحمد الركيبي، منذ زمن بعيد. فقد وعيت على الدنيا وأنا أسمع عنا وعن أبنائه وأحفاده الشيء الكثير، من أفراد العائلة الذين ينتسبون إلى الشيخ. وحينما بلغت سن الشـبـاب، وكان الاهتمام بالصحراء وأهلهـا وشيوخها وقبائلها قد بلغ مبلغا كبيرا، أقدمت على كتابة ما تجمع لدي من روايات متفرقة في محاولة للتعريف بهذا القطب الرباني الذي تروى عنه كرامات وأحوال، لا يتصف بها إلا الأولياء حقا.
وضاع ما جمعت وما كتبت، في غمرة الأحداث وتعاقب الحوادث والأيام. ثم حاولت للمرة الثانية. إعادة الكرة، بعدما تجمع لدي فيض من الروايات الشـفـوية والقراءات التـاريـخـيـة عن الشـيـخ وعـصـره، رغم أن المكتوب، لا يكاد يذكر أمام المروي من أفواه الشيوخ. ولم يكتب لتلك المحاولة أن تر النور. وشاءت الأقدار، ومعها الرغبة الجامحة، أن أقوم بزيارتي الأولي للصحراء المغربية في ماي 1975، قبل المسيرة الخضراء بستة أشهر، حيث أمكنني الاتصال المباشر بالساقية الحمراء وأهلها، ومعرفة الكثير والجديد عن الشيخ سيدي أحمد الرگيبي.
(..) قامت زمرة المرتزقة بحملة شرسة همجية وعدوانية أطلقت عليها شعار “محاربة القبلية”، كان الهدف منها إسكات كل صوت يتحدث عن الأنساب والأرحام والأصول والفروع والآباء والأجداد.. وتعرض ما كتبت في نواحي تندوف عن الشيخ سيدي أحمد الرگيبي للسرقة والضياع. وهذه هي المرة الرابعة التي أحاول فيها تدوين ما استطعتُ، عن حياة الشيخ وأرجو من الله أن يكون بداية ونبراسا لكتابات قادمة حول شيوخ الصحراء المغربية، وأوليائها وقبائلها كافة”.
رحل محمد باهي عن الحياة وهو يحمل ذلك الحلم، خصوصا وأنه عاش كواليس إطلاق وتأسيس البوليساريو وكان أكبر رافض لعملية طمس التاريخ المغربي للصحراء والانقياد وراء التمويل لتقسيم الصحراء ما بعد سنة 1975. لذلك تناسلت روايات كثيرة تضرب في مصداقية ما نقله محمد باهي، الذي كان يعرف الصحراء أكثر من أولئك الذين كانوا يتحدثون باسمها في المحافل الدولية ويتسولون باسم الصحراويين واغتنوا بأموال الدعوة إلى الانفصال عن المغرب.
من كان وراء عملية “اليد الممدودة والسلاح تحت الرجل”؟
قيل قديما إن تاريخ المغرب الحقيقي، هو تاريخ القبائل. اختُلف حول مصدر هذه المقولة البليغة، لكن هناك إجماع كبير على أن قبائل الصحراء لعبوا دورا كبيرا في كتابة تاريخ البلاد، والبلدان المجاورة أيضا.
من بين الملفات المنسية التي كساها الغبار، تلك التي تتعلق بمحاولة تطويق قبيلة الرگيبات عسكريا، بشكل مدروس من باريس، وعلى يد عمالقة الجيش الفرنسي الذين تألقوا في الحرب العالمية الأولى.
فقد تحدث محمد أحمد باهي عن هذه الكواليس عندما تطرق لحياة سيدي أحمد الرگيبي، واعتمد وثائق من الأرشيف الفرنسي الرسمي في هذا الباب.
جاء في ذكر تفاصيل هذه القضية، ما يلي:
“للرد على مقتل محمد تقى الله الملقب ” وجاه “، قرر أحمد ولد حمادي شيخ السواعـد في ركيبات الساحل، واسماعيل ولد الباردي، مهاجمة کز تكانت سنة 1924، واستولى أتباعهما على 200 جمل، فحاول الليوتنان CHALMEL التصدي لهم لكنه انهزم في المعركة التي وقعت في منطقة – لگدیم ، بالقرب من باب وادان . فاقترح الكمندان Tranchant على حكومته إنشاء مراكز عسكرية في منطقة كدية الجل لمراقبة الركيبات.
وحاولت فرنسا توحـيـد سياسة سلطاتها الموجودة في الجزائر وموريتانيا لفرض حصار على القبائل الصحراوية. فاجتمع الكومندان LAUZANNE ( لوزان ) والقبطان « augires أوجيراس » بالغرب من بئر ولمزارب » سنة 1920 لوضع خريطة تتعلق بالمناطق التي تنتجـعـهـا قـبـائل ركيبات الشرق.
وبعـد وفــاة الـشـيـخ مـحـمـد ولد الخليل سنة 1925، قرر الحاكم العسكري GADEN نهج سياسة جديدة تجاه قبائل الركيبات أطلق عليها اسم « اليد الممدودة والسلاح تحت الرجل »، لكنها لم تحد من الهجومات التي قام بهـا اسماعيل ولد البردي في منطقة الترارزة سنة 1926. « وتمكن المبعوث الفرنسي من الحصول على مـوافـقـة الاسبان بالسماح للطائرات الفرنسية بملاحقة ” الأعـداء ” داخل منطقة وادي الذهب، لكنه فشل في إقناع شيوخ القبائل في إطلاق سراح الطيارين الذين سقطا في وادي الذهب سنة 1928.
ومن بين الشيوخ الرافضين نذكر محمد عبد الرحمان وعلي ولد الخليل شيخ التهـالات وابراهيم ولد عبد الله ولد علي ولد البلال. وقررت فرنسا من جهتهـا إنشاء مراكز عسكرية بالقرب من سبخة ” ايجيل ” سنة 1929 لمراقبة تحركات الركيبات، وربطت الاتصال بين مراكز أطار وواحة توات في نفس السنة. وتجددت الهجمات سنة 1930 وتمكن أحمد ولد. مادي رفقة بعض أتباعه من الركيبات. من مهاجمة حامية فرنسية بالقرب من كدية – ايجيـل – وللرد علي ذلك، جهز حاكـم شـفـيـط القبطـان le cocq حملة عسكرية، وتمكن من التوغل داخل منطقة وادي الذهب.
وهاجم بعض خيام الركيبات بالقرب من كلتة. وهاجم مـحـمـد المامون، وأحمد حمادي، وعلي ولد ميارة، رفقة 150 من أتباعهم مركز إطار، وتمكن علي ولد ميارة من التسلل إلى داخل المركز واستولى على كمية هامة من السلاح. سنة 1932 هاجم أحمد ولد حمادي وعلي ولد ميارة مـركـز ادرار واستولوا علي 1000 ( ألـف ) مـن الجمال. كما هاجم أولاد موسى مر مركز الحوض. سنة 1933 تمكن القبطان le cocq من الهجوم على خيام السواعد سنة 1930. زمور والتهـالات من ركيبات الساحل، وخيام الفقرة من ركيبات الشرق، وقتل في هذا الهجوم على ولد ميارة، أما احمد ولد حمادي فقـد فر إلى وادي الذهب.
واضطرت اسبانيا إلى التفاوض مع فرنسا لحماية مراكزها من أي هجوم، وانتهت المفاوضات بالتوقيع على اتفاق بينهما في بئر أم كرين في 21 دجنبر 1934 تعهدت فيه اسبانيا ببناء مراكز جديدة بالقرب من كلتة زمور، وأدرار سطف، وتيرس لمراقبة تحركات الركيبات”.
هذه العملية المنسية التي توجد تفاصيلها كاملة في الأرشيف العسكري الفرنسي، عاش زعماء قبائل الرگيبات أحداثها، ونقلوا بعض مضامينها التي عاشوها من جهتهم، عبر الرواية الشفاهية إلى الأجيال الأخرى، ولولا التوثيق العسكري لها، لدُفنت أسرار عسكرية كثيرة مع أصحابها.
الحياة المنسية للشيخ سيدي أحمد الرگيبي..
هذا الرجل الملقب بالليث، عاش في القرن 16 ميلادي. وكان أحد أشهر أسماء قبيلة الرگيبات التي دخلت في حرب ضروس مع الاستعمار الفرنسي.
كان أحد الذين بصموا على تاريخ الزوايا في الصحراء وتأثر بهم الأتباع من دول افريقية اعتنقت الإسلام، كما كان له مُريدون من الجزائر وموريتانيا أيضا، لكن المثير أن هذا الرجل لم تكن له زاوية، ولم يكن شيخ طريقة ولم يترك أبدا أي وثيقة منسوبة له تتحدث عن ترؤسه للتجمعات “الروحية”!
لكن الهالة التي أحاطت به وسط أبناء قبيلته، جعلته يتجاوز في مكانته، المكانة التي وصل إليها شيوخ الطرق الصوفية.
ما الذي جعل هذه الشخصية تحظى بهذا الاهتمام؟
أبناء الشيخ الرگيبي وأحفاده دخلوا في حرب ضروس ضد الاستعمار، وكان اسمهم العائلي وحده كافيا لكي يتكتل حولهم المحاربون في الصحراء ويحملوا السلاح ضد الجيش الفرنسي بوحداته وقادته الخبراء في شن الحروب. وكان اسم “الليث” مصدر إلهام كبير لهؤلاء الصحراويين الذين أعلنوا وقتها أنهم في حرب ضد فرنسا، دفاعا عن المغرب، وليس ما روجت له الرواية الانفصالية لاحقا، من أن قبيلة الرگيبات واجهت فرنسا حماية لمصالحها الخاصة فقط. إذ أن أطروحة الاستقلال عن المغرب لم ترد إلا في السبعينيات، وكان قادة “الرگيبات” على رأس التيار الرافض للبوليساريو.
وعن الشيخ سيدي أحمد الرگيبي، يقول محمد أحمد باهي:
“والباحثون والكتاب الأجانب – مدنيين وعسكريين – الذين اهتموا بحياة الشيخ سيدي أحمد الركيبي ابتداء من نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20 م. كان اهتمامهم مرتكـزا بالأساس على قبيلـة – الركيبات – التي أصبحت كبرى قبائل الصحراء المغربية، وأصبحت البلاد الصحراوية تسمى ب و تراب الركيبات، وتمتد على مساحة تقدر بحوالي 400 ألف كلـم2. وهـذه القبـيـلـة التـي توسعت وانتشرت بعد ثلاثة قرون من وفاة مؤسسها، هي التي قادت الجهاد ضد الغزاة الأجانب في كل المناطق الصحراوية شرقا وجنوبا.
لذلك فإن الكتابات الأجنبية، حاولت دراسة تركيبة القبيلة وأصولها وفروعهـا وأعراشـها وطبيعة أهلها، وعجزت عن إبراز شخصية الشيخ المؤسس ولذلك أيضـا أسـبـاب وخلفـيـات، لعل أهمها أن شيـوخ القـبـيـلة وأفرادهـا كـانـوا يرفـضـون لأسبـاب روحـيـة ودينية، الـتـحـدث مع النصـارى حـول ولي من الأولياء له قداسـتـه ومكانته الروحية والدينية المتميزة.
ونجد أن جل الركيبات، رفضوا باستمرار وإلى عهد الاستقلال الوطني، الاقتراب من الأجانب المسيحيين أو الاختلاط بهم والتعامل معهم، وفضلوا في كثير من الحالات الرحيل والابتعاد عن الأماكن التي يتواجد فيهـا هـؤلاء الأجانب بعـدمـا تمكنوا من السيطرة العسكرية على جـل مناطق البلاد”.
جوانب منسية من حياة أقدم مؤسسي المقاومة في الصحراء
تطرق باهي في هذه المحاولة التوثيقية النادرة والمفصلة تفصيلا دقيقا، إلى بعض الوجوه من سلالة “الليث” الرگيبي وأحفاده، والأدوار التي لعبوها في مواجهة الاستعمار.
يقول:
“وتروي الوثائق الفرنسية والإسبانيـة كـمـا يسجل الكتاب الأجانب والضباط العسكريون الذين عاشوا في تلك الفترة شهادات حية عن جهاد الركيبات وتجندهم الشامل ودفاعهم المستميت عن بلادهم ودينهم ومواجهة الغزو المسيحي بكل إباء وشجاعة. ومن ذلك يقـول بول مارفتي: “جهز الحاكم العام لموريتانيا الليوتنان كولونيل Mouret سنة 1913 حملة عسكرية تتكون من 350 جنديا، وهزم بعـض محاربي الركـيـبـات، وتوغل داخل منطقـة الـسـاقـيـة الحمراء، وخرب زاوية السمارة التي بناها الشيخ ماء العينين. وللرد على ذلك، هاجمت قبائل الركيبات واولاد دليم خيام بعض القبائل القاطنة بمنطقة الحوض المتعاونة مع الفرنسيين في أكتوبر 1913 ). وبسبب الجفاف الذي أصاب منطقة وادي الذهب سنة 1914 قرر قائـد ركيبات الساحل محمد ولد الخليل، عقد معاهدة سلم مؤقتة مع سلطـات فـرنـسـا بأدرار للسماح له بانتـجـاع مراعـي موريتـانـيـا، فـوافق PONTY، واشترط عليه عـدم مشاركة أتباعـه في أي هجوم ضـد المراكز الفرنسية و بعد حصولها على كمية هامة من السلاح من القنصل الألماني السابق بالمغرب Prabster هاجمت قبائل الركيبات مركز أدرار، واستولوا على 50 من الإبل سنة 1916”.
وحاول الحاكم العسكري الفرنسي الليوتنان كولونيل GADEN سنة 1917 سن سياسة جديدة مع الركيبات تقوم علي أساس السماح لهم بانتجاع مـراعي منطقة أدرار، ومنحهم حرية التنقل والاتصال بدون وسيط بالسلطات الفرنسية بموريتانيا، مقابل تعهدهم بعـدم مـهـاجـمـة القـوات الفرنسية أو تقديم أية مساعدات لكل ثائر ضد فرنسا، فحل محمد ولد الخليـل بسـان لـوى سنة 1917 ووقع معاهدة سلم مؤقتة مع GADEN وحذت حذوه بعض القبائل الأخرى. وتعهدت بعدم مهاجمة الحوض وأدرار. وأرسل رگيبات الشرق بعثة بقيادة السالك ولد البلال، والسالك ولد الشيخ إلى مركز أطار، ووقعوا معاهدة مماثلة مع حاكمه بلوك.
وحاولت فرنسا توحيد سياسة سلطاتها الموجودة في الجزائر وموريتانيا لفرض حصار على القبائل الصحراوية، فاجتمع الكوماندان لوزان والقبطان أوگيريز، بالغرب من بئر المزاب سنة 1920 لوضع خريطة تتعلق بالمناطق التي تعيش فيها قبائل رگيبات الشرق.
المولى الحسن الأول زار الصحراء سنة 1888 ورفض إنشاء مصارف أجنبية بها
عُرف عن المولى الحسن الأول أنه سلطان عاش فترة حكمه فوق ظهر حصانه. إذ أن كتاب أجانب، صحافيين ودبلوماسيين، بالإضافة إلى كتاب مغاربة، علماء ووزراء ومؤرخين، أجمعوا أن المولى الحسن الأول قضى أغلب سنوات حكمه متجولا بين الأقاليم لاستتباب الأمن والوقوف بنفسه على إخماد التمرد الذي كاد أن يودي بالمغرب إلى الانقسام.
لكن جانبا مهما من حياته لم يُسلط عليه الضوء، خصوصا رحلته إلى الصحراء.
إذ أن المولى الحسن الأول زار الأقاليم الصحراوية سنة 1880، في إطار مواجهة المحاولات الإسبانية الاستعمارية الأولى في الصحراء وقتها. إذ أن السلطان رفض أمام ممثلي القبائل الذين خرجوا لاستقباله الترخيص للإسبان لكي ينشئوا مصارف أجنبية، إسبانية وأوروبية أخرى، على الشواطئ المطلة على المحيط الأطلسي.
إذ أن الشركات التجارية الأوربية كانت تخطط لإنشاء خطوط تجارية وتوفد ممثلي شركات لاستيراد المواد الخام المغربية من الصحراء وتوجيهها نحو إسبانيا. وهو ما كان السلطان يرفضه تماما.
لكن هؤلاء الأجانب لم يفقدوا الامل، إذ سنة واحدة فقط بعد زيارة المولى الحسن الأول إلى الصحراء، جاء وفد يمثل بعثة من إيطاليا وأخرى من ألمانيا وإسبانيا، وبدأ محاولات أخرى لتأسيس شركات تنشط في مجال الصيد.
وفي ظروف ملتبسة لا تتوفر معلومات وافية بشأنها، فقد نجح هؤلاء في الأخير، في تأسيس بنك عرف لاحقا ببنك وادي الذهب والرأس الأبيض.
لم يكن يعني هذا أن سياسة مولاي الحسن الأول قد باءت بالفشل، ولكن بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد، وأيضا لأن الإسبان كان لديهم حضور في بعض السواحل المغربية الأخرى، فقد تمكنوا من بداية الاشتغال على الشركات الأولى في الصحراء، دون أي حاجة لاستعمال الخيار العسكري. لكن الوضع لم يدم طويلا، وسرعان ما انبرى أبناء قبائل الصحراء لكي يذكروا القوات الإسبانية أنهم يرفضون أي وجود أجنبي هناك.
إسبانيا كانت وقتها تعامل سكان منطقة الصحراء على أنهم مغاربة. والدليل أنه في يوم 26 دجنبر 1884، وجهت الحكومة الإسبانية مذكرة إلى دول أوربية تخبرها فيها بأنها بسطت حمايتها على ممتلكات السلطان المولى الحسن الأول في الصحراء، بهدف إحلال الأمن. والمثير أن السلطان المولى الحسن الأول بعث سفراء يمثلونه لدى الدول الأوربية التي توصلت بالمذكرة الإسبانية، لكي يعبروا عن موقف السلطان الرسمي منها ورفضه لها.
وبغض النظر عن المآل الذي صارت إليه الأمور بعد تلك المذكرة وموقف الدول الأجنبية منها، إلا أنها تبقى أكبر دليل على أن إسبانيا كانت تعامل منطقة الصحراء وقتها على أنها إقليم مغربي، واعترفت في تلك الوثائق أن المنطقة كلها تُظهر ولاءها للسلطان الحسن الأول وترفض “التطبيع” مع إسبانيا.
في نفس السنة، سوف تعلن إسبانيا أنها استعمرت منطقة الصحراء المغربية وأنها صارت تابعة لها. لكن التدخل العسكري الفرنسي بعد ذلك، جعل الأوضاع تزداد تأزما، فخرجت قبائل الصحراء لمواجهة النفوذ الاستعماري.
المثير أن المولى الحسن الأول، بعد كل هذه التطورات، حل مرة أخرى في الصحراء في نفس السنة، أي في سنة 1884، واستغرقت زيارته في المرة الثانية عدة أشهر. وكان الهدف منها، تعيين قياد وولاة جدد في الصحراء، وأنشأ فيها مراكز عسكرية لتقوية الخطوط الدفاعية المغربية أمام الإسبان.
استغل زعماء قبائل الصحراء زيارة المولى الحسن الأول لكي يعبروا له عن استيائهم الكبير من المعاملة السيئة و”الوحشية” التي كان يعاملهم بها الإسبان.
ولأن إسبانيا لم تظهر وقتها أي محاولة لتجاوز الاحتقان، فقد كانت النتيجة أن السكان قد هاجموا شركة إسبانية اسمها “الترانزتلانتيك”، وكانت تنشط في المجال البحري والصيد في الشواطئ الصحراوية.
بعد وفاة المولى الحسن الأول بسنة واحدة فقط، أي سنة 1895، وقع المغرب اتفاقا مع بريطانيا، يرمي إلى إعادة بناء طرفاية، وجاء في الاتفاق مع لندن اعتراف صريح بأن الصحراء مغربية لا تتجزأ. وبدا واضحا وقتها أن مسلسل الأحداث في الصحراء سوف يشهد تطورات أخرى، بحكم أن فرنسا كانت قد دخلت على الخط لتقسيم المستعمرات مع إسبانيا، خصوصا بعد سنة 1902.
شكرا لك على هذا التعريف بالقبيلة وتاريخيها وانا جد فخورة بك وكتابتك هذه وانا اكون من اولاد احفاد هده القبيل لان جدي مولاي عبد الله الشريف الركيبي الادريسي