اورو مغرب
========/≈========
مصطفى هلهول: #رمز #الفن، #الثقافة، و##النضال
جمال الغازي
#####
ولد مصطفى هلهول في عام 1959 بدوار آيت حانوت بقبيلة بني بويفرور، حيث شق طريقه منذ الصغر نحو العلم والمعرفة. تلقى تعليمه الابتدائي في فرعية مدرسة أزغنغان، ثم التحق بإعدادية الكندي، وأكمل دراسته الثانوية بثانوية عبد الكريم الخطابي، ليحصل على البكالوريا عام 1980. عشق مصطفى العلم، فحط رحاله في جامعة محمد الأول بوجدة، حيث درس البيولوجيا وحصل على الإجازة عام 1986. كان شغفه بالتعلم مرآة لشخصيته المثابرة، حيث لم يكتف بالعلم النظري بل حمله معه إلى الحياة المهنية عندما أصبح معلماً، ثم مديراً للمدرسة التي درس فيها، ليكون بذلك شاهداً على مرور الزمن في تلك القاعات التي رسمت ملامحه التعليمية الأولى.
إلى جانب رحلته في مجال التعليم، كان مصطفى هلهول عاشقا للفن، لكن ليس الفن لمجرد الفن، بل الفن كوسيلة للتعبير عن الهوية والقضية. في عام 1977، ساهم في تأسيس فرقة “إصفظاون” التي ناضلت بأوتارها وألحانها من أجل الأغنية الأمازيغية الملتزمة. كان مصطفى يعزف على القيثارة والبانجو، وكأن أنامله تكتب قصة النضال من خلال الأوتار. أغاني مثل “أغربو نغ”، “كورشي يبنى خوموني”، و”مارو” كانت تجسيداً لصوت الأمازيغ وقضاياهم. وبعد سنوات من التوقف، عاد مصطفى ليبعث الروح في فرقة بنعمان في عام 1994، فكان لإنتاجهم من جديد وقع كبير في قلوب الناس، بأغانٍ مثل “نونجا”، “إزوران ن تيذت”، و”أوما تيفيناغ”.
لم يكن مصطفى مجرد فنان أو معلم، بل كان كذلك ناشطاً جمعوياً يُلهب الساحة الثقافية بروحه التواقة إلى التغيير. في التسعينيات، أسس مع مجموعة من الأصدقاء جمعية “اينو مازيغ للتجديد الثقافي”، التي أحدثت نقلة نوعية في المشهد الثقافي بأزغنغان. كان هذا الإطار الثقافي ملتقى للأفكار والفعاليات، ومسرحاً لأولى الأنشطة الثقافية التي شهدتها البلدة. كما كان مصطفى ممثلا نشطا للجمعية في تنسيقيات الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب، حيث لم يكن حضوره يقتصر على الجانب الفني فقط، بل تعداه إلى دور الناشط والموجه.
كان مصطفى هلهول مؤمنا بأن التغيير الحقيقي يأتي بالنضال السياسي، ولهذا انخرط منذ شبابه في صفوف حزب التقدم والاشتراكية، ليكون واحداً من أبرز أعضائه. منذ المرحلة التلاميذية عام 1979، أصبح عضواً ناشطاً بالحزب، حيث تولى مسؤولية كاتب الفرع في أزغنغان لعدة سنوات، كما كان عضواً في المكتب الإقليمي بالناظور. مثَّل مصطفى النموذج المثالي للمناضل الذي لا يفصل بين الفن والسياسة، إذ كانت قضاياه الفنية جزءًا لا يتجزأ من نضاله السياسي.
في جلساتي القريبة والبعيدة التي جمعتني بمصطفى منذ دخولي الحزب والشبيبة في أواخر السبعينيات الى يومنا هذا ، كان دائما ما يضفي لمسة من الدفء على كل نقاش أو لقاء. كان رجلا رفيقيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مرشدا وحاضنا لكل من يقصده في سبيل الثقافة والفن. أذكر جيدا كيف جلسنا ذات مرة في الزمن الجميل نخطط لتقديم اغنية على شكل ثنائي في مهرجان الأغنية الشعبية، الذي نظمته جمعية الانطلاقة الثقافية. كنا نود تقديم أغنية “مايمي أمري”، من كلمات خالد بولشيوخ، تلك الأغنية التي كانت تحمل في طياتها ملامح وحدة اليسار وبلحن من التراث الريفي الاصيل .كان مصطفى حينها يعزف على القيثارة بمفرده بعد أن افترقت فرقة “إصفظاون”. جاءت الفكرة عفوية، وكنا نتدرب على الأغنية بشغف في مقر جمعية الانطلاقةالثقافية ، لكن الوقت كان عدونا، حيث لم يسعفنا للإعداد الكامل . ومع ذلك، كانت التجربة بمثابة درس أضاف عمقا جديدا لتقديري لمصطفى، الذي رغم ضيق الوقت ظل مبتسما، داعما لي، مشجعا، وكأنه يقول لي إن الموسيقى لا تحتاج إلى الكمال بقدر ما تحتاج إلى الحب والإخلاص. لقد زادني تقديرا واحتراما له، ولم أنس تلك اللحظة التي جسدت لنا معنى الصداقة والنضال الفني.
مصطفى هلهول كان إنسانا فريدا من نوعه، يجمع بين العلم والفن والسياسة في نسيج واحد من الإخلاص والعطاء. لقد ترك بصمته في كل مجال دخل فيه، سواء في التعليم، الفن، أو النضال السياسي. لكن ما كان يميزه حقا هو روحه الإنسانية، وبسمته التي كانت ترافقه في كل مراحل حياته. تلك البسمة التي لم تنطفئ حتى في أصعب الظروف، هي الإرث الحقيقي الذي سيبقى حيا في قلوب كل من عرفه.
رحل مصطفى عن إدارة المدرسة، لكنه لم يرحل عن قلوبنا، إذ ستظل ذكراه يهدي كل من يسعى لتغيير مجتمعه بالعلم والفن والنضال.
صدق حينما قال : #كورشي #يبنا #خموني