ناصر الخليفي.. الرؤيوي الذي أعاد اختراع باريس سان جيرمان ورفع مكانة الكرة الفرنسية

euromagreb7 أبريل 2025آخر تحديث :
ناصر الخليفي.. الرؤيوي الذي أعاد اختراع باريس سان جيرمان ورفع مكانة الكرة الفرنسية

اورو مغرب

عندما تولّى ناصر الخليفي رئاسة نادي باريس سان جيرمان عام 2011، لم يكن النادي يشبه بشيء العملاق العالمي الذي أصبح عليه اليوم. بعد ثلاثة عشر عامًا، أصبح باريس سان جيرمان قصة نجاح فريدة، تجمع بين الطموح الرياضي، والتأثير الاقتصادي، والانخراط المجتمعي. نموذج يقوده رئيس نادٍ يستحق أن تُروى مسيرته كما هي، رغم الجدل الذي يرافقه أحيانًا.

على الصعيد المالي، كانت التحولات مذهلة. قُدّرت قيمة النادي بـ2.5 مليار دولار حسب مجلة “فوربس” عام 2023، أي بزيادة بنسبة 207٪ خلال خمس سنوات، وهو إنجاز لم يحققه أي من أكبر 50 نادٍ رياضي عالمي. لكن خلف هذه الأرقام تأثير ملموس على الاقتصاد الفرنسي، فقد حقق النادي وحده في منطقة إيل-دو-فرانس 182 مليون يورو من العوائد خلال موسم 2018/2019، ووفّر 2150 وظيفة مباشرة وغير مباشرة، وتعاون مع 800 شركة، معظمها محلية. ثروة تجاوزت حدود الرياضة: من الفندقة إلى الأمن، مرورًا بالمطاعم والترويج التجاري… أصبح باريس سان جيرمان منظومة اقتصادية في خدمة منطقته.

لكن الثورة الحقيقية كانت في مكان آخر. من خلال جلب نجوم مثل زلاتان إبراهيموفيتش، ونيمار، وليونيل ميسي، وكيليان مبابي، منح الخليفي الدوري الفرنسي شهرة عالمية غير مسبوقة. الاستثمارات التي بلغت 1.368 مليار يورو في الانتقالات بين 2011 و2021 سمحت للدوري الفرنسي بمنافسة البريميرليغ والليغا. وعلى الرغم من الانتقادات التي وصفت هذه الصفقات بـ”المرتزقة”، إلا أنها كانت جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد. كذلك، ضخّت قطر 300 مليون يورو في أكاديمية النادي ومركز التدريب في “لو لوج”، حيث تخرّج لاعبون محليون أمثال بريسنيل كيمبيمبي وكينغسلي كومان. اليوم، 40٪ من التشكيلة المحترفة للنادي من خريجي مركز التكوين، وهو رد عملي على المشككين.

لكن باريس سان جيرمان لا يُختزل في نجومه فقط، بل أصبح علامة تجارية عالمية تضم 100 مليون متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، متجاوزًا بذلك العديد من عمالقة الترفيه. هذه القاعدة الجماهيرية، التي تُوصف بـ”التراث غير المادي”، هي ثمرة استراتيجية تأثير محكمة. في آسيا، حيث افتتح النادي مكتبًا في 2018، أصبح باريس سان جيرمان مرجعًا رياضيًا وثقافيًا. في كوريا الجنوبية، ثاني أكبر سوق للتجارة الإلكترونية للنادي، تُباع القمصان المكتوبة بالكورية أكثر من قمصان مبابي، بفضل نجمهم لي كانغ-إن. وفي اليابان، تحوّلت الجولات الصيفية والتعاون مع مصممين محليين مثل “نيغو” إلى ظواهر ثقافية، جعلت من كرة القدم جزءًا من الثقافة الشعبية. أما أكاديميات باريس سان جيرمان الـ162 المنتشرة في 18 دولة، والتي خرجت 22,500 شاب، فتعكس رؤية تصدير المعرفة وتكوين النجوم.

هذا التوسع ترافق مع التزام اجتماعي غير مسبوق. فقد ساعدت مؤسسة باريس سان جيرمان وبرنامج “PSG Community” آلاف الأطفال المحرومين من خلال التعليم والرياضة. وفي عام 2022، أُطلق شراكة مع اليونسكو لدعم المساواة بين الجنسين في الرياضة. وخلال جائحة كورونا، قدّم النادي دعمًا ماليًا للأندية الصغيرة، تأكيدًا على جذوره في نسيج كرة القدم الفرنسية.

ومع ذلك، تستمر الانتقادات. الخليفي، المتهم أحيانًا بالتجاوزات المالية أو بالتواطؤ الإعلامي، رد دائمًا بالأفعال. ففي عام 2020، كسب دعوى تشهير ضد “فرانس إنفو”، كاشفًا عن تجاوزات الإعلام السريع في نقل الشائعات. وتحت رئاسته، احترم النادي قواعد اللعب المالي النظيف، كما دافع عن توزيع أكثر عدلًا لعائدات كرة القدم، من خلال موقعه في رئاسة رابطة الأندية الأوروبية.

البعض ينتقد طموحه المفرط، ناسين أن باريس سان جيرمان قبل قدومه كان يكافح أوروبيًا. اليوم، يضم النادي 30 لقبًا محليًا، ونهائي دوري أبطال أوروبا (2020)، وفريقًا نسائيًا من بين الأفضل في العالم. الأهم، أنه أعاد لفرنسا مكانتها في كرة القدم العالمية.

ناصر الخليفي ليس قديسًا، بل رجل واقعي. إرثه يتمثل في نادٍ يوظف، ويكوّن، وينتشر، ويبتكر. نادٍ جعل من باريس، بفضله، عاصمة للرياضة كما هي للثقافة. أما الجدل، فسيمر. لكن الوظائف التي خُلقت، والألقاب التي فُز بها، والأطفال الذين تمت مساعدتهم… ستبقى. في عالم كرة القدم الذي كثيرًا ما يعاني من الفضائح، يذكّرنا باريس سان جيرمان بحقيقة بسيطة: الرياضة يمكن أن تكون قوة للتقدم. وربما تكون هذه أعظم إنجازات رئيسه.

لقد أدى تصاعد الحرب الشخصية التي يتعرض لها ناصر الخليفي — ولنقلها كما هي، حرب غير مباشرة ضد قطر — إلى وقوع أو احتمال وقوع اصطدامات على مستوى التعاون بين البلدين، خاصةً في ظل الحديث عن إلغاء نهائي لصفقة المدرعات. فهل ستعود يومًا تلك العلاقة الحميمة بينهما؟

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    Translate »