اورو مغرب
شهدت العاصمة الأردنية مؤخراً انعقاد “مؤتمر المبادرات الإنسانية بين الشرق والغرب وإفريقيا”، الذي استقطب نخبة من الخبراء وصناع القرار لمناقشة التحديات الإنسانية والاجتماعية الراهنة، وقد سجلت المملكة المغربية حضوراً قوياً ولافتاً، ممثلةً في وفد رفيع المستوى، كان في طليعته السيدة فتيحة عثمان.
وفي إطار هذا المحفل الدولي الهام، شاركت السيدة عثمان كمتحدثة رئيسية في الجلسة الأولى للمؤتمر، والتي تمحورت حول قضايا الأسرة والمجتمع، وقد جاءت مداخلتها تحت عنوان عميق ومحوري: “تماسك الأسرة في عصر الفردانية وعلاقتها بالتفكك الأسري”.
واستهلت السيدة عثمان مداخلتها بتشخيص دقيق للواقع الأسري في ظل “التحولات الاجتماعية المتسارعة”، حيث أشارت إلى بروز ما أسمته بـ “عصر الانفرادية” أو الانعزال الاجتماعي داخل الإطار العائلي نفسه، وبينت كيف أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم أهميتها، قد عززت التواصل الخارجي على حساب التفاعل الداخلي، مما أدى إلى ضعف التفاعل الإنساني المباشر وتراجع قيمة الحوار.
وأكدت عثمان أن هذا الوضع خلف جفاءً وعاطفية وبروداً بين أفراد الأسرة، خاصة بين الآباء والأبناء، وهو ما يضعف الدور الأساسي للأسرة كمؤسسة تقوم على الترابط، التكافل، والدعم المعنوي.
“إن الانفرادية حين تتسلل إلى العلاقات الأسرية تُمْهِد الطريق إلى التفكك الأسري، لأن غياب التواصل يولّد سوء الفهم، ويغذي المشاكل النفسية والاجتماعية، ويجعل كل فرد أكثر انغلاقاً على ذاته، بعيداً عن روح المشاركة والمسؤولية المشتركة.”
كما لفتت المتحدثة المغربية النظر إلى أن ضغوط الحياة المادية والتحديات الفردية باتت تُقدّم أحياناً على حساب الروابط العائلية، مما أسهم في ارتفاع نسب الطلاق وتراجع التضامن الأسري بشكل ملحوظ.
وفي سياق متصل، سلطت فتيحة عثمان الضوء على تحدي تعدد الأدوار والمسؤوليات داخل الأسرة، خاصة مع دخول المرأة مجالات العمل بقوة كشريك أساسي في البناء الأسري والمهني، وأقرت بأن المرأة العاملة والمهنية تساهم بشكل كبير في دعم الأسرة مادياً وتربوياً.
إلا أنها حذرت من أن غياب بيئة عمل ملائمة تراعي التوازن بين مسؤولياتها المهنية والأسرية يمكن أن يؤدي إلى اختلال هذا التوازن، ويظهر في شكل:
توتر أسري وإجهاد نفسي.
صعوبة في التنشئة السليمة للأبناء.
اتساع المسافة العاطفية بين أفراد الأسرة.
وأشارت إلى أن عوامل مثل ضغط الوقت، ساعات العمل الطويلة، وعدم توفير حضانات أو مرونة وظيفية للأمهات، تضعف دور المرأة داخل الأسرة وتفتح الباب أمام التفكك الأسري.
وفي ختام مداخلتها، قدمت فتيحة عثمان رؤية استراتيجية لمواجهة هذا التحدي، مؤكدة أن معالجة التفكك الأسري في زمن الانفرادية تتطلب خطوات عملية:
إعادة بناء ثقافة التواصل الأسري وتعزيز قيم الاحترام المتبادل وروح التعاون داخل البيت.
ترسيخ الوعي بأهمية الأسرة كحِضن دافئ يوفر الأمان العاطفي والنفسي.
توجيه الاستخدام الواعي للتكنولوجيا لخدمة العلاقات بدلاً من هدمها.
تمكين المرأة من أداء دورها الأسري والمهني بتوازن عبر توفير بيئة عمل داعمة.
تشجيع تقاسم الأدوار داخل الأسرة بين الزوجين وإحياء ثقافة الحوار والتكافل الأسري.
وشددت عثمان على أن “الأسرة ليست مجرد إطار اجتماعي، بل هي مشروع تشاركي يقوم على التعاون والمسؤولية المشتركة، وحين نحمي تماسكها، نحمي أمن المجتمع واستقراره ومستقبل أجياله”، وقد لاقت المداخلة المغربية تفاعلاً كبيراً وإشادة واسعة من المشاركين، مما يعكس الدور الفاعل والمهم الذي يلعبه المغرب في مناقشة القضايا الإنسانية والاجتماعية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
































