اورو مغرب *فيصل مرجاني*
ها نحن اليوم، بعد مرور سنتين على مأساة زلزال الحوز الذي خلّف خسائر بشرية فادحة وخسائر مادية مفجعة، نقف أمام *سؤال جوهري: ماذا تحقق في ملف إعادة البناء والإعمار؟ وما مدى وفاء الحكومة المغربية بمسؤولياتها السياسية والأخلاقية إزاء منطقة منكوبة، لا زالت جراحها مفتوحة إلى حدود اليوم؟*
بالرغم من حجم المأساة، لا يزال جزء واسع من السكان يعيش في خيام مؤقتة، بعد أن عمدت السلطات إلى نقلها بعيدًا عن الطرقات كي لا تراها أعين العابرين، غير أن هذه المقاربة، في جوهرها، لا تعتبر سوى سياسة للتزييف البصري، هدفه حجب الواقع بدل مواجهته، وإلى إخفاء عمق الأزمة بدل معالجتها. إنها سياسة تُعطي صورة مزيّفة عن واقع قائم بذاته، وتحوّل المأساة الإنسانية إلى مشهد قابل للإخفاء الإعلامي، وكأن الكارثة لم تقع، وتضرب في العمق مصداقية الدولة أمام مواطنيها.
وتبعا لذلك، حُرمت العديد من الأسر من الدعم بدعوى امتلاكها منازل أخرى في مناطق بعيدة، في الوقت الذي يفرض فيه المنطق السياسي والأخلاقي أن يكون التعويض حقًا غير قابل للتلاعب، لأنه يتعلق بفقدان المسكن الأساسي بفعل قوة قاهرة لا ذنب للمتضرر فيها، أما عملية رفع الأنقاض وإزالة الحطام، فقد حُمّلت كلفتها للضحايا أنفسهم، رغم أن الدولة أعلنت مسبقًا عن تخصيص دعم لهذه الغاية، إن هذا السلوك لا يعكس فقط فشلًا ذريعا في التدبير، بل يكشف أيضًا غيابًا خطيرًا لروح العدالة الاجتماعية والمسؤولية السياسية.
وعلى صعيد إعادة البناء، فُرضت مخططات عمرانية لا تتوافق مع خصوصيات المنطقة الجبلية ولا مع مقتضيات السكن القروي، إذ تم تحديد رخصة بناء بمساحة 50 مترًا مربعًا، فرفضتها الساكنة لعدم ملاءمتها، ثم عدلت إلى 70 مترًا مربعًا، وهي مساحة لا ترتقي حتى إلى الحد الأدنى للمعايير المعمارية في السكن الاقتصادي بالمدن. أما الدعم المالي المعلن، فقد صُرف بشكل مجزأ يُثقل كاهل الأسر المتضررة، إذ اضطر سكان المنطقة إلى التنقل لمسافات بعيدة إلى مدن أخرى لاقتناء مواد البناء الأساسية من حديد وإسمنت وطوب، لأن هذه المواد نادرة أو غير متوفرة في المنطقة نفسها، ما يضاعف عليهم تكاليف النقل والشحن، ويزيد من معاناتهم، خاصة في ظل نقص اليد العاملة المتخصصة في البناء، ليصبح إعادة البناء عبئًا إضافيًا على الضحايا بدل أن يكون وسيلة لإنقاذ حياتهم
وقد تجلت مفارقة أخرى أكثر عبثية في سياسة السلطة المحلية: لا يحصل المستفيد على الدفعة الرابعة من الدعم المالي إلا بعد إكمال الواجهة الخارجية وطلائها، حتى وإن كان المنزل من الداخل غير صالح للسكن ويفتقر إلى أبسط شروط العيش كالمرحاض. بل الأسوأ من ذلك، أن العديد من المتضررين صرّحوا بأنهم استفادوا من 80 ألف درهم فقط، عوض 140 ألفًا التي جرى الترويج لها عبر الخطاب الرسمي، بل وأُجبر بعضهم على التوقيع على تعهد يعتبر المبلغ كافيًا لإعادة الإعمار، وهو شرط مجحف يفرغ الدعم من معناه الحقيقي.
أمام هذا المشهد، لا يمكن إلا استحضار ما قاله *جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في خطاب العرش الأخير: «لا مكان اليوم ولا غدًا، لمغرب يسير بسرعتين».* هذه العبارة ليست مجرد توجيه رمزي، بل هي قاعدة سياسية صارمة تُلزم الحكومة والسلطات الترابية والأحزاب والفاعلين كافة بواجب تحمّل مسؤولياتهم، والقطع مع سياسات التماطل والتبرير وإدارة الأزمات بالحد الأدنى من المبادرات.
وبالتالي، فإن مأساة زلزال الحوز لم تكن كارثة طبيعية فحسب، بل أصبحت مرآة كاشفة لواقع الاختلالات في الحكامة الترابية والاجتماعية. فالمطلوب اليوم ليس التباهي بخطابات الدعم ولا الترويج لصيغ شكلية من إعادة الإعمار، بل إرساء مشروع وطني عادل، يقوم على المساءلة والمحاسبة، ويعيد للمنطقة حقها في التنمية والكرامة، كي لا تبقى الكارثة مفتوحة على مزيد من التصدعات الاجتماعية والسياسية.