اورو مغرب ذ. عصام خايف الله
في إطار تعزيز البحث العلمي والنقاش الأكاديمي حول القضايا المرتبطة بالتنمية المحلية والمواطنة، نظم مختبر الدراسات الدستورية والإدارية والمالية وفريق البحث “الدراسات الدستورية والفعل العمومي” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، بشراكة مع “الفضاء الجمعوي للتنمية التشاركية”، ندوة علمية هامة يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025. تمحورت الندوة حول مناقشة كتاب جديد بعنوان “الانتماء الترابي في أفق مواطنة محلية “، وهو عمل أكاديمي من تأليف الدكتور عبد الرحمن حداد، أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل.
الكتاب إضافة نوعية للبحث الأكاديمي
افتتح اللقاء بكلمة ترحيبية للدكتور مصطفى معمر، مدير مختبر الدراسات الدستورية والإدارية والمالية، الذي أشاد بالكتاب ومؤلفه، واصفا العمل بأنه “إضافة نوعية للبحث الأكاديمي في مجال الانتماء الترابي وتعزيز المواطنة المحلية”. وأشار إلى أن الكتاب يمثل رؤية شاملة ومبتكرة تسهم في فهم العلاقة بين المواطن وفضائه الترابي، مما يجعله أداة فكرية ذات قيمة كبيرة لصناع القرار والباحثين والفاعلين الآخرين.
من جانبها، أكدت الدكتورة سعاد عيلي، نائبة العميد المكلفة بالشؤون البيداغوجية والأكاديمية، أن الكتاب يسلط الضوء على العلاقة الجدلية بين الانتماء الترابي وتعزيز المواطنة المحلية، ويقدم إضافة نوعية للبحث العلمي الهادف. كما أعربت عن خالص امتنانها للأساتذة المتدخلين والحضور النوعي على تفاعلهم البناء، وللشريك “الفضاء الجمعوي للتنمية التشاركية” على دوره المحوري في تنظيم اللقاء.
محاور النقاش ورؤى المتدخلين
شهد اللقاء تقديم مجموعة من المداخلات القيمة التي استعرضت مضامين الكتاب وأثرها في تعزيز التنمية المحلية والمواطنة الفاعلة.
كلمة المؤلف: أكد الدكتور عبد الرحمن حداد، وهو بالمناسبة نائب الرئيس المكلف بالبحث العلمي والتعاون والشراكة بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، على أن الكتاب يمثل امتدادا طبيعيا لأعماله السابقة، مثل “من اللامركزية إلى الديمقراطية”. وأشار إلى أن مفهوم اللامركزية تعرض لتضييق ممنهج، حيث تم اختزاله في العمليات الانتخابية فقط، مما حول علاقة المواطن بالتراب إلى مجرد فعل تصويتي. ودعا إلى تفعيل أدوات المشاركة المجتمعية واستكشاف فضاءات غير تقليدية، مع التركيز على دور الرياضة والثقافة كمحفزات أساسية لإعادة بناء الروابط بين المواطن وفضائه الترابي.
المداخلة الاولى: قدمها الدكتور رشيد العثماني، أستاذ باحث بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس في مداخلته، استعرض فيها مضامين كتاب “الانتماء الترابي في أفق مواطنة محلية”، معتبرا إياه إضافة نوعية للنقاش الأكاديمي حول التنمية المحلية والمواطنة. تناول الكتاب نظريات حديثة مثل المشاركة المواطنة والانتماء الترابي، وركز على تحديات ضعف المشاركة المدنية والسياسية التي تعكس غياب الروابط بين المواطن ومجاله. لمواجهة هذا الواقع، اقترح آليات عملية كتعزيز الفضاءات التشاورية وإعادة الاعتبار للإنسان كمحور للتنمية. وختم بمقولة خليل جبران: “من نحن؟ وماذا نريد؟” . داعياً إلى إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والتراب لتحقيق تنمية مستدامة تضع الإنسان في الصدارة.
المداخلة الثانية: قدمها الدكتور عبد الوهاب البقالي، أستاذ باحث بكلية شعيب الدكالي بالجديدة، الذي ركز على قراءة عملية لكتاب “الانتماء الترابي في أفق مواطنة محلية”، مركزا على سبعة عناصر رئيسية. كما شدد على أهمية الانتخابات بروح المواطنة الفاعلة وإعادة صياغة العلاقة بين المركز والمواطنين المحليين. كما أكد على ضرورة تعزيز دور المستشار الجماعي وتوفير موارده، وانتقد غياب آليات تشاور فعالة وضعف استقلاليته بسبب الرقابة المفرطة. وأشار إلى ضرورة ربط السياسة بالمشروع الترابي الناجح، محذرا من ممارسات المنفعة الشخصية. وأبرز مشكلة ضعف انخراط الشباب في السياسية ما دفعهم نحو فضاءات بديلة مثل “الألتراس” وختم بمطالبة مراجعة السياسات الترابية لتحقيق تنمية مستدامة وإشراك جميع الفئات، خاصة الشباب.
المداخلة الثالثة: قدمتها الأستاذة رانية أسماقلو، طالبة باحثة في سلك الدكتوراه بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، أكدت فيها على أهمية التراب كفضاء للعيش المشترك وركيزته في فهم العلاقة بين المواطن ومجاله المحلي. كما استعرضت مضامين كتاب “الانتماء الترابي في أفق مواطنة محلية”، مشيرة إلى ارتباط المواطنة بالقيد الانتخابي وتحديات التقسيم الترابي الحالي. كما أبرزت أن ضعف المشاركة السياسية والمجتمعية يؤدي إلى توترات تعيق التنمية المحلية، مشددة على أهمية آليات المشاركة الفعالة لتعزيز المسؤولية المشتركة. كما انتقدت هيمنة المركز على المحلي التي تضعف الشعور بالانتماء، داعية إلى إعادة النظر في السياسات العمومية لتمكين المواطنين من المشاركة في القرار المحلي. وختمت بدعوة إلى بناء علاقة متوازنة بين المركز والمجالس الترابية لتحقيق العدالة الترابية والمواطنة الفاعلة.
المداخلة الرابعة: في مداخلته، حلل الطالب الباحث بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس زكرياء بياض الفصل الثالث من كتاب “الانتماء الترابي في أفق مواطنة محلية”، مركزا على تحديات الانتماء الترابي: ضعف جاذبية المجال، وغياب روابط الهوية المحلية بالرياضة، وتراجع المساهمات التطويرية. كما استعرض آليات تعزيز المشاركة المواطنة في الفصل الرابع، مثل مؤسسات المشاركة والاستفتاء المحلي، مشددا على أهمية تفعيلها بشكل مستدام. اقترح إضافة فصل خامس حول دور الأسرة والمدرسة والإعلام في تكريس المواطنة المحلية وتعزيز الهوية الترابية للأجيال الناشئة. وختم بأن تحقيق تنمية ترابية مستدامة يتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني لتعزيز الشعور بالمسؤولية المشتركة..
أهمية موضوع الانتماء الترابي
شكلت المداخلات فرصة ثمينة لفتح باب النقاش الجاد والمسؤول بين الحضور النوعي، الذي ضم نخبة مميزة من فعاليات المجتمع المدني، الطلبة الباحثين، المنتخبين المحليين، وممثلين عن مختلف الشرائح الاجتماعية. ركز النقاش على أهمية تعزيز الانتماء الترابي باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق تنمية محلية مستدامة ومواطنة فاعلة. كما تم التشديد على ضرورة تفعيل آليات المشاركة المجالية، مثل الفضاءات التشاورية والاستفتاء المحلي، بما يتيح للمواطنين لعب دور محوري في صنع القرار الترابي.
ولم يغفل النقاش الدور المحوري الذي تلعبه المؤسسات الاجتماعية، مثل الأسرة والمدرسة والإعلام، في ترسيخ قيم المواطنة المحلية وتعزيز الهوية الجماعية. وأكد المشاركون على أهمية الرياضة والثقافة كأدوات فعالة لتجاوز عجز المشاركة السياسية وإعادة بناء الروابط بين المواطن والتراب. وأشاروا إلى أن هذه المجالات يمكن أن تكون جسوراً للتقريب بين المواطنين وفضائهم الترابي، بما يعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية.
الخلاصة
اختتم اللقاء بتوصيات أكدت على ضرورة تضافر الجهود بين مختلف الفاعلين لتحقيق تنمية ترابية شاملة ومستدامة. وأجمع المشاركون على أن هذا اللقاء يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون بين الأكاديميين والمجتمع المدني، بما يخدم المصلحة العامة ويسهم في تحقيق مواطنة حقيقية.
يجسد هذا اللقاء شراكة استراتيجية مثمرة بين المؤسسات الأكاديمية والجمعوية، ويؤكد أهمية مواصلة مثل هذه الفعاليات الفكرية لتعزيز الحوار والتفاعل بين مختلف الفاعلين، وتطوير حلول عملية للتحديات التي تواجه المجال الترابي.
عذراً التعليقات مغلقة