اورو مغرب : هرهوري حسام: باحث في الدراسات الدولية والأمنية
مع التقدم الذي أحرزه المغرب في السنوات الأخيرة على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، برزت محاولات الجزائر لإثارة قضايا داخلية في المغرب، مثل الدعوة لاستقلال منطقة الريف. هذا التحرك، الذي يعاد صياغته اليوم ضمن سياق سياسي مختلف، يعكس استراتيجية جزائرية تسعى إلى تقويض استقرار المغرب داخليا لمواجهة النجاحات التي يحققها إقليميا ودوليا.
*النجاحات المغربية وإعادة تشكيل التوازن الإقليمي*
استطاع المغرب خلال العقد الأخير تحقيق مكاسب نوعية في قضية الصحراء المغربية، ومن أبرز هذه المكاسب الاعترافين الأمريكي والفرنسي بسيادة المغرب على صحراءه، وافتتاح عدد من الدول لقنصليات في مدينتي العيون والداخلة، ما يعد إشارة واضحة إلى الاعتراف الدولي المتزايد بالموقف المغربي.
وفي سياق تعزيز موقع المغرب إقليميا ودوليا، تبرز المبادرة الأطلسية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله كإطار استراتيجي جديد للتعاون بين الدول الأطلسية؛ تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الشراكات بين دول شمال وجنوب الأطلسي، مع التركيز على قضايا التنمية المستدامة، الأمن البحري، والتكامل الاقتصادي. المبادرة تعكس رؤية المغرب كفاعل محوري يسعى إلى بناء جسور التعاون بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية ضمن فضاء الأطلسي.
هذه الخطوة الاستراتيجية تضع المغرب في موقع ريادي كدولة ذات دور محوري في حل التحديات المشتركة التي تواجه دول الأطلسي، خاصة في مجالات مكافحة التغير المناخي، محاربة الإرهاب، والهجرة غير النظامية، كما أنها تؤكد على دينامية السياسة الخارجية المغربية، التي تجمع بين الانفتاح على القضايا العالمية والاستثمار في موقعه الجيوسياسي.
بالنسبة للجزائر، تمثل هذه المبادرة تحديا إضافيا يعمق عزلتها الإقليمية. فبينما ينخرط المغرب في تعزيز التعاون الأطلسي لتحقيق مصالحه ومصالح شركائه، تجد الجزائر نفسها غائبة عن هذه الدينامية، مما يدفعها إلى تصعيد محاولاتها لإثارة ملفات داخلية بالمغرب كوسيلة للتشويش على نجاحاته الدبلوماسية. المبادرة الأطلسية تعزز من صورة المغرب كقوة صاعدة ومنصة للحوارات الإقليمية والدولية، ما يزيد من صعوبة موقف الجزائر في تحقيق توازن في التأثير الإقليمي.
هذه المكاسب لم تأت بمعزل عن استراتيجية مغربية متكاملة، اعتمدت على تنويع الشراكات الدولية وتعزيز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في القضايا الإفريقية والعربية. في المقابل، وجدت الجزائر نفسها في موقف ضعيف، حيث تواجه عزلة متزايدة نتيجة تراجع الدعم الدولي لجبهة البوليساريو الانفصالية.
هذا التراجع الإقليمي للجزائر دفعها إلى البحث عن وسائل جديدة لمواجهة المغرب، ومنها إثارة ملفات داخلية قد تؤدي إلى خلق حالة من الاضطراب في الساحة المغربية، ومن أبرز هذه الملفات ملف الريف.
*الأزمة الداخلية الجزائرية كوقود للتصعيد*
تحركات الجزائر تجاه المغرب ليست منفصلة عن أزماتها الداخلية المتفاقمة؛ فالنظام الجزائري يعاني من تحديات اقتصادية خانقة، أبرزها الاعتماد المفرط على العائدات النفطية والغازية في ظل تقلبات الأسواق العالمية، بالإضافة إلى ذلك، تواجه الجزائر أزمات اجتماعية تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الخدمات العامة، مما أدى إلى تزايد الغضب الشعبي واستمرار الحراك الشعبي المطالب بالتغيير السياسي منذ 2019.
في ظل هذه الأوضاع، تلجأ الجزائر إلى ما يمكن تسميته بسياسة “تصدير الأزمة”، وهي استراتيجية تستخدمها الأنظمة السياسية التي تعاني من أزمات داخلية عميقة لتوجيه الأنظار نحو عدو خارجي. المغرب، الذي يمثل فاعلا ناجحا في محيطه، يستخدم هنا كـ “شماعة” لتبرير فشل النظام الجزائري في معالجة أزماته.
إحياء النزعة الانفصالية في منطقة الريف المغربية، في هذا الإطار، يبدو محاولة لتشتيت الجهود المغربية وإشعال صراعات داخلية تعرقل مسار نجاحه الدبلوماسي، مما يمنح الجزائر مساحة من المناورة لتغطية إخفاقاتها.
*قراءة استراتيجية للتحركات الجزائرية*
من الناحية الاستراتيجية، التحركات الجزائرية يمكن وصفها بأنها “رقصة الديك المذبوح”. هذه الاستراتيجية التي تبدو يائسة تنطلق من إدراك الجزائر لتغير موازين القوى لصالح المغرب؛ فبعد عقود من دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية، تجد الجزائر نفسها اليوم في موقف دفاعي مع تراجع التأييد الدولي لهذه الحركة، وتزايد الدعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
إثارة ملف الريف يدخل في إطار محاولات الجزائر لإضعاف المغرب عبر خلق بؤر توتر داخلية، خاصة أن منطقة الريف كانت قد شهدت احتجاجات اجتماعية في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، هذه المحاولة تصطدم بتماسك المغرب الداخلي وقدرته على التعامل مع هذه القضايا من خلال الحوار الوطني والتنمية المتوازنة.
علاوة على ذلك، المغرب يمتلك خبرة طويلة في مواجهة هذه الاستراتيجيات، إذ يعتمد على تعزيز الوحدة الوطنية وإبراز النجاحات التي تحققها سياساته الإقليمية والدولية، وهو ما يضعف أي محاولة للتشويش أو التشتيت.
*المغرب كفاعل صاعد في النظام الدولي*
في مقابل التحركات الجزائرية، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كقوة إقليمية صاعدة؛ فهو ليس فقط لاعبا مؤثرا في قضايا الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا، بل أيضا شريكا موثوقا في محيطه الإفريقي والدولي، واستراتيجيته القائمة على الانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي جعلته قادرا على استقطاب دعم دولي واسع لقضيته الوطنية.
ومن جهة أخرى، تعكس التحركات الجزائرية عجزها عن مواكبة هذا التطور، حيث تجد نفسها معزولة في محيطها الإقليمي والدولي، نتيجة لافتقارها لاستراتيجية فعالة تظهر قدرتها على بناء شراكات قوية أو لعب أدوار إيجابية في القضايا الإقليمية.
كل هذا يؤكد أن محاولات الجزائر لزعزعة استقرار المغرب، عبر إثارة قضايا انفصالية مثل استقلال الريف، تأتي في سياق دفاعي يعكس تراجع دورها الإقليمي وفشلها الداخلي، وهذه التحركات فاقدة للجدوى في مواجهة تماسك المغرب واستمرار تقدمه.