اورو مغرب
الدكتور جمال فوزي
باحث في القانون العام
لم يعد بنيامين نتنياهو مجرد زعيم سياسي، بل تحوّل إلى ظاهرة جيوسياسية ذات طابع اضطرابي، أقرب إلى حالة سريرية من كونها استراتيجية مدروسة. في سلوك أقرب إلى “فرط العدوانية” السياسي، ينزلق رئيس الوزراء الإسرائيلي من مواجهة إلى أخرى، كمن لا يقوى على ضبط اندفاعه، لا في غزة، ولا في إيران، ولا حتى في أروقة الشرعية الدولية.
وقد جاءت مغامرته الأخيرة مع إيران في لحظة دقيقة: مفاوضات نووية كانت في طور الانعقاد، برعاية سلطنة عمان، أُلغيت لحظة اندلاع الأعمال العدائية. في المقابل، أُجهض أيضًا مؤتمر الأمم المتحدة المعني بإنشاء الدولة الفلسطينية. هل هي مصادفة؟ قطعًا لا. نتنياهو لا يترك مجالًا للصدفة عندما يتعلق الأمر بوأد الحلم الفلسطيني في تأسيس دولة أو صرف الأنظار عن المجازر في غزة.
إن العملية الإسرائيلية الجديدة، التي يُسوّق لها تحت عنوان “الرد الاستباقي”، ليست سوى تمرين في الإلهاء السياسي. خدعة سحرية تمارسها حكومة يغلب عليها الطابع الأيديولوجي الديني، وتزخر بوزراء يتنافسون في التطرف والتمييز العنصري.
لكن المثير للدهشة، بل للسخرية، هو الموقف الفرنسي تحديدًا، حيث بادر الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تكرار لازمة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”. عن أي دفاع يتحدث؟ إسرائيل هي من بادرت بالهجوم، كما فعلت سابقًا مرارًا في إيران وسوريا ولبنان. ثم بأي حق، وهي الدولة النووية منذ 1967، تحتكر هذا السلاح وتحرّم على غيرها حتى الحلم به؟
تُرفع في وجه إيران كل التهم: التطرف الديني، زعزعة الاستقرار، مشروع الملالي النووي. لكن حكومة نتنياهو – وهي خليط من غلاة المستوطنين وحاخامات الفتوى العسكرية – تجعل من الحرس الثوري الإيراني مؤسسة معتدلة بالمقارنة. خطاب إسرائيل، الملبّس بنصوص توراتية مثل: “الشعب يقوم كالأسد… يشرب دم الضحايا”، ليس مجرد استعارة دينية، بل تصريح نوايا مرعب.
حين تلوّح طهران بالقرآن، يُقابل ذلك بالذعر الغربي. أما حين تبرّر إسرائيل قصفها واستيطانها واستباحتها للحياة بآيات توراتية، يُقال إنها تمارس حقها في الدفاع عن النفس. إنها ازدواجية فجّة لم تعد تخفى على أحد.
كما أن الغرب كله يراقب طهران عبر المجهر في ملفها النووي؛ إذ يطالبها بالتفتيش والتقارير والضمانات. وفي المقابل، يسود صمت مطبق أمام مفاعل ديمونا الاسرائيلي. لا وكالة طاقة ذرية، ولا لجان أممية، ولا تسريبات استخباراتية. النووي الإسرائيلي محمي بصمت دولي مريب، تمامًا كما تُحمى الجرائم في غزة بصمت أخلاقي أشد إيلامًا.
إذا كانت هناك نية حقيقية لضمان أمن المنطقة، فلتكن البداية من حيث يجب أن تبدأ: نزع السلاح النووي من جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل، وإخضاع الجميع لنفس المعايير. ما دون ذلك، فإن الحديث عن السلام أو العدالة أو القانون الدولي، ليس إلا ضجيجًا يُخفي تواطؤًا طويل الأمد.
نص موضوعي ومعقول وصريح مفهوم لدى الجميع قصير ولكن مدلول كبير وعميق ذكر فيه جميع قضايا الساعة نرجو من الجميع ان يقرأه بإمعان نص كما يقال بالمثل الهولندي ان لم تخدعني الترجمة:قصير ولكن قوي ذو معنى قوي وأساسي