ميديا تيفي :
نور الدين شوقي باحث في التاريخ والتراث الكبداني /
كانت المنطقة الشرقية المغربية وما حولها من قرى وبوادي وقبائل، بمثابة القاعدة العسكرية الخلفية لجيش التحرير الجزائري، وكان سبب نشأتها هو وضع حد للحواجز الحدودية التي بنتها فرنسا لمنع جبهة التحرير من التموين.
ومع بداية الثورة الجزائرية في الخمسينات، تمركزت أهم قيادة القاعدة الخلفية في مراكز متفرقة، كان يفوق عددها 12 مركزا، موزعة على طول خط الحدود الشرقية بدءا من وجدة ثم بركان ، السعيدية ، كبدانة و الناظور ، إلا أن قادة العمل المسلح أولوا الاهتمام لمراكز منطقة الناظور بعد أن أخلتها القوات الإسبانية، منها مركز أزغنغان ومركز الكبداني.
ومن بين أهم المراكز التي لعبت دورا حيويا في دعم خلايا الثورة الجزائرية في تلك الفترة نجد مركز الكبداني.. وهو مركز مختص في التدريب العسكري وفنون القتال وحرب العصابات واستعمال الأسلحة والمتفجرات وتجريب الأسلحة القادمة من الخارج، كما أُسس ليُشرِف مباشرة على تنظيم جيش التحرير وتوفير كل ما تحتاجه الحركة المسلحة من لوازم حربية بالمناطق الحدودية المغربية الجزائرية التي كانت ذات أهميةٍ كبيرةٍ، ومنها كان المقاومون يجلبون السلاح والمؤن وكذا استقبال وحدات الجيش والجرحى القادمين من الجزائر ، إضافةً إلى تخزين الأدوية والألبسة وكل أنواع المساعدات القادمة من البلدان المساندة للثورة الجزائرية مرورا بكبدانة عبر التراب المغربي، ثم إرسالها نحو التراب الجزائري عبر جبل العصفور.
وقد عرف هذا المركز عدة زياراتٍ لمسؤولي الثورة الجزائرية المسلحة وذلك بغية التشاور وتعلم الخطط الحربية ودراسة الخبرات العسكرية، ومن بين القادة الذين زاروا هذا المركز نذكر منهم: الهواري بومدين وبن يوسف بنخدة الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1959 وعبد العزيز بوتفليقة الذي تلقى بدوره تكوينا داخل هذا المركز عندما انضم إلى جيش التحرير وكان عمره وقت ذاك 19سنة..
وبحكم أن قبيلة كبدانة كانت تعتبر الممر الحدودي الآمن بالنسبة للقادة العسكريين، للتنقل وتفقد القاعدة الخلفية بحرية تامة، إضافة إلى كون الكبدانيين مشهودا لهم بتضحياتهم من خلال ما قدموه من مساعدات معتبرة للثورة الجزائرية، كتزويد جيش التحرير بالسلاح، فقد كان العديد من قادة الثورة يزورون المنطقة بين الفينة والأخرى وخاصة منهم الهواري بومدين، الذي كان كثير الترداد على قبيلة كبدانة بحكم كثرة معارفه وأصدقائه هناك، إلا أنه في أحد الأيام من شهر يوليوز سنة 1957، كاد هذا الأخير أن يغتال هناك بعد أن علمت المخابرات العسكرية الفرنسية أنه يتواجد بكبدانة . ورواة وقائع هذا الحدث ينقسمون إلى صنفين منهم من يقول أن:
“… بومدين نزل ضيفا على المدعو الحاج صالح بنطالب وهو كان مالكا لمطحنة حبوب. كما تزامنت زيارته للمنطقة مع مناسبة احتفاء الكبدانيين بعادة ”تسونا” التي كانت تقام في البلدة في أوائل أيام عيد الأضحى، فبينما الأهالي منشغلون بمراسيم وأحداث هذا التقليد الموسمي قامت طائرتان حربيتان فرنسيتان باختراق أجواء بلدة كبدانة من بابها الشرقي فقصفت دوار تيجوت بوابلٍ من القذائف بعد أن علم الفرنسيون بوجود بومدين في عين المكان، الذي افتضح سره بواسطة عملية التنصت على اتصالاته اللاسلكية التي كان يجريها مع قادة الثورة داخل التراب الجزائري، ولم تمض إلا لحظات قصيرة حتى فطن الهواري بومدين وصديقه صالح للأمر بعد سماعهما لصوت الطائرتين فقاما بمغادرة المنزل بسرعة فائقة مهرولين نحو المخابئ التي أعدت خصيصا لهذا الغرض فنجيا بأعجوبة كبيرة بعد أن دمرت القذائف بيت مضيفه وبعضا من بيوت الأهالي ولم تصب قنابل الطائرتين بقية الأفراد بأي أذى يذكر مجرد بعض الإصابات الخفيفة الناجمة عن تطاير الحصى و الأحجار..وما ساعد أكثر على إنقاذ العشرات من الموت والهلاك هو طبيعة الاحتفاء، إذ كان من عادة طقس الاحتفال، هو خروج الناس من منازلهم لمشاهدة الطواف الذي يقوم به الشباب حول مساكن الدوار مما اعتبر فرصة سانحة للهروب نحو النجاة لشريحة واسعة من ساكنة آيث بنطالب بدوار تيجوت…”
أما الرواية الثانية وهي الأقرب إلى الصواب خاصة وأنها مروية من طرف الشهود ومتفق عليها بالإجماع وتقول “… بومدين حل هناك ليؤسس مركزا مؤقتا بعد أن انتقل من أزغنغان و الناظور حيث يشتمل هذا المركز على عدد مهم من الثوار ومعدات حربية تتكون من مدافع وشاحنات عسكرية وبراميل الوقود التي وضعت في منزل السيد حماد لوكيلي المجانب لواد لهلالي، بالإضافة الى أجهزة الاتصال اللاسلكية، وفعلا انكشف أمر المركز وجاءت الطائرتان ليلا وكان الموسم موسم حصاد وبدأتا التحليق فوق المنطقة واستعد الثوار لإسقاطهما لقرب ارتفاعهما، غير أن محمد بن طالب قريب الحاج صالح اعترض على إسقاط الطائرتين مخافة أن تقع الكارثة، وبعد أن تعذر عن الطائرتين اكتشاف الموقع بدأتا في قذف القنابل المضيئة هنا وهناك ولم تقذف أي قذيفة من الذخيرة الحية سواء من هذا الطرف أو ذاك، وقبل حلول الفجر انتقل الهواري بومدين وجنوده بمعداتهم العسكرية إلى وجهة غير معلومةٍ في اتجاه الشرق.
وروى الشهود أن الدوار الذي عايش الحدث هو دوار أولاد بوزعافر وليس دوار تيجوت كما ذهب إليه الفريق الأول.












عذراً التعليقات مغلقة