ايمن مزيك يكتب بيت العائلة الإبراهيمية ..نحو تجاوز سوء الفهم

اورو مغرب محمد الزبتي11 يونيو 2023آخر تحديث :
ايمن مزيك يكتب بيت العائلة الإبراهيمية ..نحو تجاوز سوء الفهم

اورو مغرب :

*بيت العائلة الإبراهيمية ..نحو تجاوز سوء الفهم*

بقلم: أيمن مزيك “رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD)”

يعد بيت العائلة الإبراهيمية مشروعا ذا قيمة كبيرة من وجهة النظر الإسلامية والحوار بين الأديان لعدة أسباب، ذلك أنه يهدف إلى تعزيز التفاهم والانسجام بين الأديان الإبراهيمية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، وقد جسد المجمع الديني الذي يقع في جزيرة السعديات في أبو ظبي، هذا المنحى في تجسير العلاقة بين الأديان بما يخدم الإنسانية، كما عبرت عن ذلك وثيقة الأخوة التي تم توقيعها يوم 4 فبراير 2019 في أبو ظبي من قبل البابا فرانسيس نيابة عن الكنيسة الكاثوليكية، والإمام احمد الطيب نيابة عن جامع الأزهر. كما أن مشروع المجمع الذي يضم كنيسة القديس فرنسيس ومسجد الأمام الطيب وكنيس موسى بن ميمون في مبان منفصلة، يعبر عن المنطلقات والقيم الموجهة لوثيقة الأخوة الإنسانية، وهو التجسيد العملي لما استبطنته من أهداف وغايات تهم المجتمع الإنساني بتعدديته وتركيبته الدينية والعقدية المختلفة.
وكإشارة إلى المراحل التي مر منها تشييد هذا المبنى، فقد أعلنت انطلاقة بنائه سنة 2019 ليكتمل مطلع هذه السنة؛ أي سنة 2023، ويتم الإعلان عنه رسميا في 16 فبراير 2023 من قبل الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح والتعايش، ويتم الإشراف على تنفيذ المشروع من قبل اللجنة العليا للأخوة الإنسانية. أما من حيث تصميمه الهندسي، فهو يشبه مبنى Tri-Faith Commons في الولايات المتحدة، حيث تقع دور العبادة المكعبة الثلاثة فوق جناح الزوار، وهي تمثل تنوع المصلين والمقيمين والزوار في أبو ظبي.
مما ينبغي التأكيد عليه، أن هذا المشروع في طبيعته لا يسعى إلى الخلط بين الأديان الإبراهيمية، بل يعترف باستقلالية هذه الأديان عن بعضها البعض، ويحترم التقاليد التي تميز كل دين عن آخر في الطقوس والشعائر، بحيث يمكن القول، بأنه أولا وقبل كل شيء هو مكان للجماعات الدينية ذات الصلة بتقاليدها الخاصة، ومن ثم فهو مكان للقاء والحوار، وليس للتوليف أو الخلط على مستوى العقائد والممارسات الدينية. فالمشروع يوظف ما تتميز به التقاليد الدينية لكل مكون ديني وعقائدي من الأديان الإبراهيمية، لتعزيز الحوار والتفاهم، والعمل الجماعي والمشترك من إحلال السلام ونزع فتيل التوتر والتنافر بين أتباع مختلف الأديان، وهو ما يؤشر عليه وجود مركز ثقافي داخل المبنى، يروج لقيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي مع الحفاظ على خصوصية كل دين وطابعه الفريد.
لقد تبين لي كانطباع، من خلال المتابعة للنقد الرائج لبيت العائلة الابراهيمية بدعوى القول بالمزج بين الأديان، أو الاتجاه إلى إنشاء دين جديد، أن ذلك في حقيقة الأمر ناتج عن سوء فهم لأهداف المشروع وتصميمه، كما أن النقد يحمل أحيانا كثيرة مبالغة ذات منحى سياسي وعقائدي، وبذلك يقع في نفي أحد مبادئ الإسلام ذاته، ونقصد بذلك الحوار مع أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن، كما في قوله تعالى [وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ](العنكبوت:46)، وغير ذلك من الآيات التي ترسخ الحوار بالحسنى مع الآخر، كيفما كانت خلفيته الدينية والعقدية، ومجتمع المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال لذلك، وهو ما ينبغي فهمه في هذا السياق، من حيث الحاجة إلى تعزيز التفاهم والاحترام بين الأديان في سياقات يعمها الاضطراب بأوجهه المختلفة.
يمثل الإسلام من خلال ما دعا إليه القرآن الكريم وسنة النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وسيرته في مجتمع المدينة، موجها معرفيا ومنهجيا لتعزيز التفاهم والتسامح وتجسير العلاقات البينية بين مختلف المكونات داخل المجتمع الواحد، وبين المجتمعات المختلفة، ومن ذلك احترام عقائدها ومبادئها الدينية. كما أن بيت العائلة الإبراهيمية من خلال مبادئ الأخوة الإنسانية التي قام عليها، يوفر أرضية مشتركة للحوار بين الأديان للأديان الثلاثة.
الوحدة في التنوع: إن اليهودية والمسيحية والإسلام من خلال هذا المبدأ؛ وترتيب الأديان هنا يخضع لاعتبار البعد التاريخي، نقول إن هذه الأديان على الرغم من اختلاف عقائدها الدينية، فهي تشترك في جذور مشتركة، هي شخصية إبراهيم عليه السلام. ومن ثم، فإن هذا المشروع يؤكد على الروابط المشتركة ويعزز الشعور بالوحدة في ظل التنوع، ودون المساس باستقلالية كل دين. أما أهمية المشروع من منظور اجتماعي سياسي، فإن بيت العائلة الإبراهيمية، يمكن اعتباره وسيلة لتعزيز السلام والاستقرار في منطقة ظلت موسومة بالتوترات والنزاعات الدينية والسياسية والاجتماعية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    Translate »