اورو مغرب
بقلم: ذ. أحمد الصلاي – فاعل جمعوي وحقوقي وسياسي بجهة الداخلة وادي الذهب
في زمن تكالبت فيه المصالح الضيقة على مقدرات الأمم، وأصبحت السياسة في بعض أوجهها أداة للتربح بدلًا من خدمة الشعوب، يبرز السؤال الأخلاقي والديني قبل القانوني: أين نحن من واجبنا في محاربة الفساد؟ إن الفساد السياسي، بكل تجلياته – من شراء الأصوات إلى استغلال حاجة الناس – ليس مجرد مخالفة قانونية يعاقب عليها القضاء، بل هو خيانة للأمانة وانتهاك صارخ للقيم الإسلامية التي تقوم عليها المجتمعات العادلة.
من منظور إسلامي، يعد الفساد جريمة تتنافى مع أصول الشريعة ومقاصدها. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” (سورة البقرة: 188). هذه الآية الكريمة ليست مجرد تحذير، بل دستور أخلاقي يحرم أكل أموال الناس بالباطل، سواء كان ذلك عبر الرشوة أو التلاعب بالإرادات أو استغلال السلطة. فما بالك حين يتحول صوت المواطن – وهو أمانة في عنقه – إلى سلعة تُباع وتُشترى في سوق المصالح السياسية؟
ولننظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال في حديثه الشريف: “لعن الله الراشي والمرتشي والرائش” (رواه أحمد وأبو داود). هذا اللعن ليس موجهًا للراشي والمرتشي فحسب، بل يشمل كل من يسهل هذا الفعل المشين أو يسكت عنه. إنها دعوة صريحة للتصدي للفساد بكل أشكاله، سواء كان في الانتخابات أو في إدارة الشأن العام. فكيف يمكن لمجتمع أن يزدهر إذا كانت قياداته تُشترى بأموال الرشوة أو تُفرض باستغلال فقر الناس وحاجتهم؟
إن محاربة الفساد ليست مجرد مطلب قانوني يقتصر على وضع التشريعات وتفعيل العقوبات، بل هي واجب شرعي وأخلاقي يتقدم على كل الاعتبارات. إنها دعوة لكل فرد في المجتمع – من المواطن العادي إلى رجل السياسة – لأن يتحمل مسؤوليته في بناء مجتمع يسوده العدل والنزاهة. فالساكت عن الفساد شريك فيه، والمتواطئ معه آثم أمام الله قبل أن يكون مجرمًا أمام القانون.
إننا في جهة الداخلة وادي الذهب، كما في كل ربوع الوطن، ندرك أن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا بأيدٍ نظيفة وقلوب صادقة. فكيف يمكن لنا أن نطمح إلى مستقبل مشرق إذا كانت إرادة شعبنا تُشترى بدراهم معدودة أو تُفرض بوعود كاذبة؟ إن السياسي الحقيقي ليس من يشتري الولاءات، بل من يزرع الأمل ويحقق العدالة، مستلهمًا قيم دينه ومبادئ إنسانيته.
في الختام، أدعو كل مواطن وكل مسؤول إلى أن يجعل من محاربة الفساد شعارًا يوميًا، وأن يتذكر أن الله يرى ويسمع، وأن الحساب عنده ليس بعيد. فلنجعل من ديننا درعًا ضد الفساد، ومن أخلاقنا سياجًا يحمي أمتنا، ولنعمل معًا من أجل وطن يرفض الظلم ويعلي راية الحق. إنها ليست معركة القانون وحده، بل معركة الضمير والإيمان أولًا وأخيرًا.
جاء في الخطاب الملكي ليوم 30 يوليو 2016 بمناسبة ذكرى عيد العرش أن : “محاربة الفساد هي قضية الـدولة والمجتمع، الدولة بـمؤسساتها ، من خلال تفعـيل الآليات القانونية لمحاربـة هـذه الـظاهـرة الخطيرة ، وتـجريـم كل مظاهرها للضرب بـقـوة على أيـدي الـمفـسدين”.
وأكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه أن محاربة الـفساد “لا ينبغي أن تكون مـوضوع مزايـدات”، مشددا على أن “لا أحد يستطيع ذلك بمـفرده ، سواء كان شخصا ، أو حزبـا ، أو منظمة جمعوية . بل أكثر من ذلـك ، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده ، خا رج إطـار القانون”. وفي هذا الصدد، أشار جلالة الملك إلى ” أن المفهوم الجـديـد للسلطة يعني المساءلـة والـمحاسبة، التي تتم عبر آليات الـضبط والمراقبة ، وتطبيق القانـون (…) ، كما أن مـفهومنا للسلطة يـقوم علـى محاربـة الفساد بكل أشكاله في الانتخابات والإدارة والـقـضاء، وغـيـرهـا “، مشددا على أن “عدم الـقيام بالواجـب، هو نوع من أنـواع الفساد”.
عذراً التعليقات مغلقة