دروس وفيرة من السنة المريرة

Admin30 ديسمبر 2020آخر تحديث :
دروس وفيرة من السنة المريرة

تميز العرب بين السنة والعام، فالسنة ما آحتضنت أحداثا لا ترغب فيها النفس، وأما العام ففيه من أحداث الرخاء ما تنشرح له الصدور، وعلى هذا المنوال نقول: سنة جدباء، فيها قحط و جفاف، ثم بعدها جاء عام فيه يغاث الناس مطرا وفيه يعصرون، ومن هذا المنطلق عشنا سنة بآمتياز، اخترق فصل ربيعها، ضيف منع الأيادي من قطف الأزهار، وحظر في الصيف كل الأسفار، وكانت شتاؤها شلالات أرقام الضحايا كالأنهار، وكأننا خضنا سنة بدون فصول، أو بالأحرى بفصل واحد، فصل الخريف الذي آمتد في كل شهورها، سنة تساقطت فيها أوراق علمية و إعلامية و فنية من أفنان الحياة اليانعة، سنة ستبقى راسخة في الأذهان، لا يطالها نفوذ النسيان.
في هذه السنة طغى البطل الكوروني بكل قوة، وتربع على منصة الشباب والفتوة، فرض معجمه الذي لاكته الألسنة رغما عنها، حيث كان الحجر أول الأمر أفضل الحلول، والتباعد الاجتماعي سلاح عله يعجل بزوال الوباء و الأفول، والنظافة أسلوب حائل أمام الفيروس من الوصول، والكمامة مانعة لرذاذ جارف نحو الإصابة أكثر من السيول، وبين هذه التدابير وتلك، تحدث العلماء عن كيد الفيروس وطفراته، وصولاته وجولاته.
لقد أرغم الضيف الكوروني الثقيل الأسر على ملازمة المنازل، وهجر التلاميذ قاعات الدرس وساحات المدارس، صارت المدن أشباحا، وكل يوم يسقط المرض أرواحا، لقد شكلت العودة إلى البيوت تحديا في ثقافة المجال، وكانت خير آختبار لتعايش أفراد الأسرة الواحدة، بعد أن كان المنزل مجرد مأوى يقدم إشباعا لحاجات بيولوجية من أكل ونوم، حيث كشفت الإحصاءات عن فشل في السلم الأسري تحت سقف البيوت، حين آرتفعت حالات العنف بين الأزواج، وتوترت علاقة الآباء بالأبناء، وتعالت الصرخات:”أعيدوا فتح المدارس والساحات”، حيث لم يعد بمقدور الأسر آحتواء أطفالها، لقد شعر الجميع بذلك الجسم والصوت الذي يصدح في القسم ساعات، ويتحمل الشغب ويصنع منه أجمل اللحظات، منح كورنا قدرا من الاعترافات، لذلك المعلم الذي لم يكترث له أحد طوال السنوات، وبهذا الوضع، لم تعد المدرسة مؤسسة مستقلة، بل هي آمتداد لمنزل ضيق في مساحة المكان والقلوب، لم يستطع تحمل مشاكسة الصغير الصادق تارة وتارة أخرى كذوب، وحتى نكون منصفين، هل تستوعب منازل آقتصادية أو آجتماعية حيوية أطفال لا يرون في العالم إلا اللعب والمتعة؟ لقد أثبت الوباء أن المنازل بقدر ماكانت ملاذا آمنا، كانت كذلك أقفاصا مضجرة، لا تستجيب لحيوية الطفولة المنطلقة، وهنا ينبغي الوقوف مليا أمام وضع المدرسة وعرضها التربوي، فالمؤسسة لا ينبغي أن تكون مصنعا لحشو العقول، ولا مكانا لترداد الدروس في الفصول، بل يجب أنت تكون مكانا يصنع البسمة في قلوب المتعلمين قبل وجوههم، وينشر الحب والسلام، فكيف تعلمني وأنا لا أحبك!، فالإنسان بنيان، فيه روح وعقل ووجدان، ومادام المنزل يضيق أمام ميولات الطفل، والمدرسة جافة أمام مواهبه، فلنكن مستعدين لصنع جيل من الكائنات التي لا هم لها سوى نقط كاملة، تعيش الفظاظة والجفاء، لم تتلق من المواد المعرفية ما يسمو بالروح و يهذب الحس ويرهفه، لنجني بعد ذلك ثمارا مرة، قد تكون عبارة عن موظفين لاهم لهم سوى مال وحظوة، يطالبون بكل الحقوق ولا يؤدون رسوم نفس أبية حرة.
نطق المعجم الكوروني بمصطلح المخالطين، وهم من خالطوا الذي تأكدت إصابته، فكانوا موضع شبهة ماداموا قد وصفوا بصلة مع الموبوء، وفي المخالطة رفعة أو ذلة، فصحبة الصالحين تدريب على الصلاح، وفي أقران السوء كل محظور مباح، وإذا كان الوباء في فتكه صريحا، كان الإنسان الكائد يضحك في وجوه الناس مساء، وقد أفطر بأعراضهم صباحا، هكذا يقضي أيامه يقتات من طيبوبة الناس آنشراحا، لكن له يوما ترميه الحقيقة من الافتضاح رماحا، لنقول بكل يقين: مهما بلغت الأوبئة مبلغا في الخطر، لن تكون كالإنسان الأشر.
ذ طارق مرحوم

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.