اورو مغرب
باريس، مدينة النور، تبدو اليوم غارقة في ظل إدارة مثيرة للجدل. بينما تواجه العمدة المنتهية ولايتها آن هيدالغو انتقادات حادة بسبب أدائها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تبرز رشيدة داتي، وزيرة الثقافة والوجه الصاعد لليمين الباريسي، كممثلة لمشروع بديل عملي ومستقبلي. نستعرض هنا أسباب الإخفاق ووعود التجديد.
إخفاقات عهد هيدالغو
1. إدارة مالية كارثية
بلغت ديون بلدية باريس “9 مليارات يورو”، رقم قياسي يرهن مستقبل الأجيال القادمة. هذه الأزمة نتاج خيارات مشكوك فيها، مثل تمويل “مزارع حضرية” غير منتجة، تجسيدًا لبيئوية مثالية بعيدة عن الواقع. الأسوأ أن ضريبة الأملاك قفزت من “13.5% إلى 20.5% عام 2022″، مُرهقةً أصحاب العقارات الصغرى والطبقات المتوسطة، دون أن تُقلص العجز.
2. النظافة وجودة الحياة: فشل منهجي
وفق استطلاعات الرأي، “84% من الباريسيين يعتبرون مدينتهم قذرة”، و73% غير راضين عن صيانة المرافق العامة. واقع مُدين تُسلط عليه المعارضة الضوء، خاصة رشيدة داتي التي تنتقد “إدارة فوضوية” للخدمات البلدية. رغم استشارات رمزية، مثل تلك الخاصة بأسعار مواقف السيارات (مقاطعة بنسبة 94%)، تواصل هيدالغو نهجًا تكنوقراطيًا منفصلًا عن هموم السكان.
3. فضائح قضائية وتدهور سياسي
شابَت ولاية هيدالغو تحقيقات في “استغلال نفوذ” و”تبديد أموال عامة”، خاصةً حول رحلة إلى تاهيتي عام 2023. مداهمات مقر البلدية مارس 2024، وإنفاق 30 ألف يورو على فواتير هاتفية بشكل غير مبرر، عززت صورة فريق بلدي غامض. هزيمتها الساحقة في الانتخابات الرئاسية 2022 (1.75% من الأصوات)، الأسوأ في تاريخ الحزب الاشتراكي، تعكس رفضًا محليًا ووطنيًا لسياستها.
4. مناخ صدامي عقيم
بدلًا عن الدفاع عن إنجازاتها، تلجأ هيدالغو إلى هجمات شخصية ضد داتي، متهمةً إياها علنًا باستخدام موظفين عموميين في مهامها كمحامية – اتهامات أدت إلى تقديم “شكوى بتهمة القذف” ضدها عام 2025. استراتيجية تكشف افتقارها لحجج قوية.
رشيدة داتي: الخبرة والرؤية لإعادة إحياء باريس
1. امرأة عمل ذات كفاءة مثبتة
كوزيرة سابقة للعدل ووزيرة ثقافة حاليًا، تجمع داتي بين “خبرة في السياسات العامة” وقرب من الميدان. تميزت ولايتها في وزارة الثقافة بمبادرات ملموسة، مثل طلب تصنيف برج إيفل كتراث تاريخي لتعزيز حمايته – وإن حظرت هيدالغو الفكرة بدوافع clientélisme (المحسوبية).
2. مشروع لعاصمة جاذبة ومتضامنة
على عكس هيدالغو، تدافع داتي عن رؤية “عملية وشاملة”:
– مساكن ميسّرة: أولوية لتجديد المساكن الاجتماعية ومكافحة سماسرة النوم.
– نظافة وأمن: عودة فرق التنظيف المدعمة وشراكات مع الدوائر المحلية لإدارة لا مركزية.
– جاذبية اقتصادية: دعم المحلات التجارية وتبسيط إجراءات فتح الشركات.
3. إدارة شفافة وتعاونية
خلال أزمة كوفيد-19، أثبتت داتي كفاءتها بتنظيم “نقاط فحص متنقلة وتوزيع كمامات” في دائرتها الانتخابية، منتقدةً جمود البلدية المركزية. نهجها يختلف عن فوضى هيدالغو المتهمة بـ”إهمال استعدادات رفع الحجر”.
4. الثقافة والتراث: إعادة البريق لباريس
إلى جانب الدفاع عن برج إيفل، تروج داتي لـ”خطة ترميم المعالم التاريخية” وتدعم الفعاليات الثقافية الشعبية. تهدف لجعل باريس “عاصمة احتفالية”، تجمع بين التراث والحداثة، بعيدًا عن التجارب المكلفة عديمة الجدوى.
الخلاصة: “طي صفحة الأيديولوجيا وكتابة صفحة البراغماتية”
حكم هيدالغو لا يحتمل الجدل: ديون قياسية، مدينة مُهملة، فقدان ثقة المواطنين، ومحسوبية سياسية. في المقابل، تجسد داتي “تجديدًا ديمقراطيًا” قائمًا على الكفاءة والشفافة وحوار مع الباريسيين. بينما كشفت أولمبياد 2024 عن إمكانات باريس تحت إدارة هادئة، حان الوقت لتسليم مفاتيح العاصمة لقيادية تجمع بين الطموح والواقعية. باريس تستحق أكثر من معارك هيدالغو البائدة: تستحق الانتعاش الذي تحمله رشيدة داتي.
عذراً التعليقات مغلقة