أحمد مصباح – أورومغرب – لبخاتي
خلقت ما بات يعرف ب”الغضبة العاملية”، غضبة عامل إقليم آسفي الجديد، محمد فطاح، حالة طوارئ لدى السلطات الترابية بالإقليم، عقب زيارة مباغتة قام بها إلى جماعة قروية، وقف من خلالها عن كثب على واقع النظافة المزري، الذي تتخبط في مستنقعه الجماعة الترابية، جراء تكدس النفايات والأوساخ والأتربة في الشوارع والأزقة، وفي الأماكن والفضاءات العمومية. واقع يعتبر صورة وانعكاسا لما يشوب من إهمال وتقصير تدبير “ملف النظافة” في العديد من الجماعات الترابية، في غياب تفعيل آليات المراقبة والمساءلة.
هذا، فإن رجال السلطة، من باشوات ورؤساء دوائر قروية وقياد، ومنتخبون، رؤساء وأعضاء المجالس الجماعية، يكونون تلقوا الإشارة بقوة من العامل الجديد، محمد فطاح. حيث إن ثمة تحركات غير اعتيادية لدى السلطات المحلية بالجماعات الترابية، التي تعبأ رجالاتها وأصبحوا يولون ما يلزم من اهتمام طارئ وخاص بالنظافة والحملات التطهيرية، توجسا لما قد يعقب زيارات عاملية محتملة، غير محددة في “الزمكان”، إلى مناطق نفوذهم الترابي، قد تتم خارج أوقات العمل، وحتى في ساعة من المساء (الليل)، وفي العطل وعطلة نهاية الأسبوع، والمناسبات الوطنية.
وقد زار العامل فطاح، الاثنين 18 نونبر 2024، تزامنا مع تخليد ذكرى عيد الاستقلال، العديد من الجماعات الترابية بالإقليم. حيث تعبأ رجال السلطة المستنفرون، الذين قضوا ساعات على قدم وساق؛ فيما شوهدت شاحنات النظافة الجماعية، وعمال النظافة العرضيون لدى الجماعات، منهمكين في تنقية الشوارع والأزقة والفضاءات العمومية.
هذا، فإن زيارة ممثل صاحب الجلالة على إقليم آسفي، التي همت مؤخرا الجماعة الترابية المستهدفة، وما عقبها من “غضبة عاملية”، تكون أحدثت زلزالا وحالة طوارئ؛ إذ أصبح التوجس سائدا لدى المسؤولين والسلطات الترابية بعاصمة عبدة والإقليم، الذي أصبح خاضعا، في إطار الجهوية المتقدمة، التي اعتمدها المغرب سنة 2015، لجهة مراكش–آسفي، والذي يبلغ تعداد سكانه: 719.671 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى برسم سنة 2024، موزعين على 28 جماعة ترابية، من بينها 3 جماعات حضرية، وهي بلديات آسفي، جمعة سحيم وكزولة، و22 جماعة قروية، خاضعة لنفوذ ثلاثة دوائر قروية، وهي دوائر حرارة، عبدة وكزولة.
وقد حدت الزيارة العاملية، التي عرت على واقع النظافة في الإقليم، بالمسؤولين الترابيين إلى الانخراط بقوة في حملات النظافة والاعتناء بالبيئة والمحيط الإيكولوجي؛ خملات يأمل الرأي العام ومعه المتتبعون للشأن العام، أن تتسم بالاستمرارية، بعيدا عما تمليه بعض “الظرفيات” و”المناسبات”، التي تكون سحبا عابرة، سرعان ما تزول، ليعود الجو إلى حالته الطبيعية.
وبالمناسبة، فقد عقد ممثل السلطة المحلية، قائد قيادة لبخاتي، السبت الماضي، في مكاتبه بمقر القيادة بمركز لبخاتي، اجتماعا موسعا، جمعه بممثلي 7 جمعيات تعنى بالبيئة والنظافة، إلى جانب رئيس مصلحة الخدمات والمرافق العمومية، ممثلا عن الجماعة الترابية لبخاتي؛ حيث حث المسؤول الترابي المحلي المتدخلين على الانخراط في حملات النظافة والتطهير، التي تم تفعيلها وترجمتها، أمس الاثنين، على أرض الواقع، والتي همت مركز الجماعة لبخاتي والسوق الأسبوعي “حد لبخاتي”، والفضاءات الخارجية، وجنبات الطرقات الإقليمية، المؤدية إلى مختلف الاتجاهات. الأمر الذي استحسنه المواطنون والساكنة، الذين اعتادوا على تنظيم مثل هذه الحملات، منذ تنصيب القائد الحالي، في 22 غشت 2023، ممثلا للسلطة المحلية بقيادة لبخاتي، التي يشمل نفوذها الترابي جماعتي لبخاتي ولحدار. هذا المسؤول الذي أجمعت الارتسامات على كونه فتح، رغم إكراه معضلة السكن الوظيفي الخاص برجال السلطة، التي تعيق تدبير الشأن الترابي، والتي طال أمدها، عقدين من الزمن (20 عاما)، أبواب مكاتبه في وجه المواطنين، للإنصات إليهم، والتفاعل مع قضاياهم وهمومهم، والانفتاح على الشركاء والفاعلين والمتدخلين، وربط جسور التواصل مع فعاليات المجتمع المدني.
إلى ذلك، فإذا كانت النظافة دعامة من دعائم الدين، وإذا كانت ‘النظافة من الإيمان”، فإنها تتعدى حدود الإيمان، لتندرج في إطار قيم الوطنية والمواطنة، والتشبع بالسلوك المدني، وليتم اعتبارها من ثمة ضرورة ملحة في تدبير الشأن العام وشؤون المواطنين. ولعل هذا ما يجر إلى التساؤل عن الكيفية التي يمكن أو تمكن المسؤول، كيفما كان موقعه ومنصب مسؤوليته، من تدبير وتدبر أي مرفق من المرافق، أكان عموميا أو خاصا، أو حتى تدبير شؤونه الأسرية والشخصية، دون إيلاء ما يلزم من اهتمام بمسألة نظافة وتنظيف هندامه وأفكاره وسلوكه، ومكان ومحيط عمله، ومنطقة نفوذه، والبيئة التي يشتغل ويقضي فيها قسطا كبيرا من حياته.
إلى ذلك، فإنه ينظر إلى العامل الجديد، محمد فطاح، الذي تفضل الملك محمد السادس، بعد أن حظي بالثقة المولوية، بتعيينه ممثلا لجلالته على إقليم آسفي، على كونه “رجل المرحلة”، المسؤول الترابي الذي يكرس سياسة القرب والمفهوم الجديد للسلطة الترابية، بعيدا عن “الممارسات البيروقراطية”، التسيير ب”التليكوموند”، من داخل المكاتب المكيفة، ومن على الكراسي المريحة.
ويعقد المواطنون والساكنة الآمال على ممثل صاحب الجلالة، للقطع مع بعض ممارسات الماضي، بنهج سياسة الإصلاح والعقلنة والتخليق والترشيد، ولتفعيل “التنمية الاقتصادية والبشرية”، التي “توقفت عجلتها في منتصف الطريق، وأصبحت عاجزة عن الخروج من عنق الزجاجة.
هذا، فإذا كانت المقولة الشهيرة باللغة اللاتينية، المكونة من 3 كلمات: “Veni, vidi, vici”، التي تعود للإمبراطور الروماني (جول سيزار)، والتي ترجمتها ومفادها بالعربية، “جئت، رأيت، انتصرت”، تنم عن الشغف بانتصاره، في عام 47 قبل الميلاد، على الملك “فرناس II”، في معركة “أزيلا” (حاليا مدينة زيل التركية).. فإن العامل الجديد، محمد فطاح، قد استهل مهامه وممارسة اختصاصاته وصلاحيات، متقيدا بالتوجيهات والتوجهات الملكية السامية، وبالسياسات الحكومية والاستراتيجيات العمومية، كال”stratège” المحنك، بالقيام بزيارات تفقد واستطلاع، همت الجماعات الترابية، بنفوذ إقليم آسفي، حتى تتسنى له معرفة والتعرف عن كثب على الميدان، الذي سيخوض على أرضيته معركة الإصلاح.
ولعل من الملفات الشائكة التي يكون العامل فطاح عالجها بالحزم والنجاعة المتوخيين، ملف “المقلع المثير للجدل”، تفاعلا مع تحقيق صحفي نشرته الجريدة، صبيحة الجمعة 15 نونبر 2024، على أعمدة موقعها الإلكتروني، تحت عنوان: “آسفي.. الترخيص لمقلع لتهيئة 17,646 كيلومتر من المسالك الطرقية ب3.738.01,20 درهم”. حيث أوفد لتوه رئيس دائرة عبدة، الذي حل بشكل طارئ، ظهر اليوم ذاته (الجمعة)، بالمقلع، موضوع التدخل، دون أن يكون مرفوقا بممثل السلطة المحلية، صاحبة الاختصاص الترابي.. ليعمد عامل الإقليم، في اليوم الموالي (السبت)، إلى زيار المقلع شخصيا، بمعية رئيس دائرة عبدة.. ويتقرر على ضوء الزيارة العاملية إيفاد لجنة إقليمية، حلت، الأربعاء 20 نونبر 2024، بمقر قيادة لبخاتي، محمولة على متن 5 سيارات خدمة، ذات لوحات معدنية رسمية “مخزنية” (المغرب)، عقدت اجتماعا طارئا بمقر السلطة الترابية لبخاتي، قبل أن تنتقل لتوها بمعية القائد، إلى المقلع المستهدف بالتدخل، حيث دون أعضاء اللجنة ملاحظاتهم في دفاتر حملوها معهم، ليعودوا بعدها ويجتمعوا مجددا بشكل مغلق، مدة حوالي ساعة، في مقر القيادة (..).
وقد أتاحت الزيارات والإجراءات والمعاينات التي جرت تحت إشراف ورئاسة أول سلطة ترابية إقليمية، الوقوف عن كثب، وبالواضح والملموس، على واقع وحقيقة “المقلع المثير للجدل”، ومن ثمة، فرض سلطة وهبة القانون، في دولة الحق والمؤسسات، طبقا وتطبيقا للقانون، باتخاذ القرار المناسب؛ قرار كان يتعين أن يتخذه العامل السابق، الحسين شاينان، الذي تم إلحاقه بالمصالح الممركزة لوزارة الداخلية، عقب مغادرة منصب المسؤولية العاملية بإقليم آسفي، الذي تربع عليه، والذي زادت فترة ولايته، في حالة استثنائية، عن 8 سنوات.